شباب تونسي يجلسون على درج مسرح في العاصمة. ويهدف برنامج تونس الجديد إلى معالجة مشكلة البطالة المرتفعة (الصورة: Fethi Belaid/Gettyimages).

تونس: الصندوق يقدم قرضا بقيمة 2.9$ مليار لزيادة خلق فرص العمل وتعزيز النمو الاقتصادي

7 يوليو 2016

  • تونس تواجه نشاطا اقتصاديا ضعيفا وتوظيفا منخفضا للعمالة واختلالات خارجية مرتفعة
  • قرض من الصندوق لدعم رؤية الحكومة الاقتصادية بشأن تعزيز النمو الاحتوائي
  • البرنامج يتضمن إصلاحات لمعالجة البطالة المرتفعة، وتعزيز الحوكمة

وافق الصندوق على تقديم قرض لتونس مدته أربع سنوات بقيمة 2.9 مليار دولار أمريكي، وذلك لدعم جدول الأعمال الاقتصادي الذي وضعته السلطات بهدف تشجيع التقدم في إرساء النمو الاحتوائي وخلق فرص العمل مع حماية الأسر الأقل دخلا.

ويرتكز البرنامج الجديد على الاتفاق السابق مع الصندوق والذي دعم تونس في أعقاب الربيع العربي.

وفي حديث مع نشرة الصندوق الإلكترونية، يوضح السيد أمين ماتي، رئيس بعثة الصندوق المعنية بتونس، كيف يهدف البرنامج الاقتصادي التونسي إلى معالجة التحديات المتبقية ودعم خطة السلطات الجديدة للإصلاح الاقتصادي.

النشرة الإلكترونية: ما الذي حققته تونس في ظل البرنامج الأول، ولماذا تحتاج إلى مساعدة إضافية من الصندوق؟

السيد ماتي: البرنامج الأول هو اتفاق الاستعداد الائتماني، وقد ساعد تونس على الاحتفاظ باستقرارها الاقتصادي الكلي أثناء فترة بالغة الصعوبة – وهي فترة التحول السياسي الطويل، وتصاعُد التوترات الاجتماعية بما فيها الإضرابات والتوقف عن العمل، والتوترات الأمنية الناشئة عن الصراع مع السلفيين، والهجمات الإرهابية المأساوية في عام 2015 والتي دمرت صناعة السياحة. ووسط هذا المشهد المليء بالتحديات، تمكنت السلطات من تنفيذ جدول أعمال طموح للإصلاح يهدف إلى دعم تنمية القطاع الخاص ومعالجة مشكلة البطالة وتقليص الفوارق بين أقاليم البلاد.

ورغم التقدم الكبير الذي حققته تونس، فهي لا تزال تواجه العديد من التحديات الاقتصادية – حيث ساءت مكونات الإنفاق، وبلغت الاختلالات الخارجية مستوى مرتفعا، ولا يزال الدينار مبالغا في تقييمه، وأوجه الهشاشة المصرفية قائمة، والإصلاحات الرامية إلى تعزيز مناخ الأعمال تسير بخطى بطيئة. ولهذا طلبت السلطات برنامجا لاحقا مدته أربع سنوات، وهو تسهيل الصندوق الممدد، لدعم رؤيتها الاقتصادية بشأن تحديث نموذج التنمية والحد من مواطن الضعف القائمة.

وقد صُمم هذا البرنامج الأطول أجلا لاستهداف جوانب الضعف الهيكلي المؤثرة في الاقتصاد التونسي والتي لا تزال قائمة منذ وقت طويل – تلك الجوانب التي تسببت في بطء النمو والاختلالات الخارجية الكبيرة. ولذلك ينصب تركيز هذا البرنامج في الأساس على دعم التقدم الذي تحقق بالفعل فيما يتصل بالاستقرار الاقتصادي الكلي ومعالجة ما تبقى من معوقات هيكلية أمام توسيع نطاق النمو الاحتوائي وخلق فرص العمل.

النشرة الإلكترونية: هل لك أن تصف كيف يخطط برنامج الصندوق الجديد مع تونس لدعم رؤية السلطات الاقتصادية التي تغطي خمس سنوات؟

السيد ماتي: رؤية السلطات ترتكز على خمس دعائم محركها الأول هو تنمية القطاع الخاص. وللمساهمة في جدول أعمال الإصلاح الاقتصادي الذي وضعته السلطات، يركز البرنامج الجديد مع الصندوق على الأولويات التالية:

  • تحقيق انخفاض تدريجي في عجز المالية العامة الكلي من أجل تثبيت الدين العام عند مستوى 50% تقريبا من إجمالي الناتج المحلي
  • تحسين مكونات الإنفاق العام، حيث سيسمح احتواء الأجور بمضاعفة الاستثمارات العامة ذات الأولوية التي تدعم النمو والحد من الفقر
  • زيادة مرونة سعر الصرف لتحسين القدرة التنافسية الخارجية وإعادة بناء الاحتياطيات الأجنبية
  • تحسين الوساطة في القطاع المالي، بما في ذلك مواصلة إعادة هيكلة البنوك العامة
  • إجراء إصلاحات هيكلية، بما في ذلك إصلاح المؤسسات العامة والشركات المملوكة للدولة، وتخفيض دعم الطاقة، واعتماد نظام ضريبي أكثر تصاعدية ودعما للعدالة، وتعزيز الحوكمة، وتحسين مناخ الأعمال

وستستغرق كل هذه الإصلاحات وقتا حتى تؤتي ثمارها، ولكنها ستساعد بالتدريج على رفع النمو إلى 5%.

النشرة الإلكترونية: ما هي بعض توصيات الصندوق لمساعدة تونس في خلق مزيد من فرص العمل بالنظر إلى ارتفاع معدل البطالة الكلي الذي وصل إلى 15%، وبطالة الشباب التي وصلت إلى 35%؟

السيد ماتي: كل من السياسات الاقتصادية الكلية والإصلاحات الهيكلية التي أشرت إليها آنفا ينبغي أن تنفذ بقوة حتى يُقْدِم القطاع الخاص على الاستثمار وتوفير فرص العمل. ومن الضروري لتونس في هذه الآونة أن تستعيد ثقة المستثمرين – التي أضعفتها أجواء عدم اليقين السياسي والتحديات الأمنية. غير أنه من المهم بالمثل تغيير نموذج التنمية القائم منذ وقت طويل – والذي يعتمد على انتشار تدخل الدولة الذي أدى إلى اقتصاد قائم على الصادرات ذات القيمة المضافة المنخفضة، وفرط القيود التنظيمية، ومحدودية المنافسة – وهو ما يتطلب سرعة التحرك نحو قانون الاستثمار الجديد وتنفيذ قانون المنافسة الجديد.

وبمقدور تونس أيضا أن تنفذ شراكات بين القطاعين العام والخاص بحيث تجذب رأس المال الخاص لمشروعات البنية التحتية. وكل هذه التحسينات في مناخ الأعمال، والتي عززها التقدم في تبسيط القواعد التنظيمية القائمة، ستشجع تنمية القطاع الخاص وترسل إشارة للمستثمرين المحليين والعالميين بأن تونس مفتوحة أمام نشاط الأعمال. وسيكون من الضروري إصلاح سوق العمل أيضا، وإن كان من المرجح أن يستغرق الأمر وقتا لبناء المزيد من التوافق في الآراء. وفي نفس الوقت، أطلقت السلطات برامج نشطة لسوق العمل (كالأشغال العامة والتمويل متناهي الصغر) وبرامج التدريب المهني التي يمكن أن تساعد على تخفيف البطالة بين خريجي الجامعات.

النشرة الإلكترونية: جزء من جدول أعمال الإصلاح الجديد يسعى إلى زيادة توظيف العمالة، وخاصة في المناطق غير الساحلية. كيف يمكن أن يساعد إصلاح الخدمة المدنية في تحقيق هذا الهدف؟

السيد ماتي: أولا، إصلاح الخدمة المدنية هو الأولوية الأولى بالنسبة لكل الأطراف المعنية الأساسية التي تحدثنا إليها، وليس من الغريب أن يتصدر قائمة الأولويات في رؤية السلطات الاقتصادية. فكل الأطراف المعنية تدرك مواطن الضعف في جودة الخدمات العامة وعدم إمكانية الاستمرار في المسار الحالي لفاتورة الأجور التي تمثل 65% من الإيرادات الضريبية و14% من إجمالي الناتج المحلي و45% من مجموع الإنفاق.

والإصلاح – الذي يهدف إلى زيادة أوجه الكفاءة في القطاع العام وتعزيز جودة الخدمات – سينظر في جوانب متعددة، منها وضعية كبار موظفي الخدمة المدنية، وتعديل هيكل الأجور، وتحسين ربط الأجر بالأداء، وإعادة التوزيع لمراعاة المناطق الداخلية التي لا تصلها الخدمات. وسيساعد ذلك أيضا في احتواء فاتورة الأجور عن طريق تخفيضها إلى 12% من إجمالي الناتج المحلي بحلول عام 2020، ومن ثم خلق الحيز المالي اللازم لمضاعفة الاستثمار العام.

ويمثل إصلاح الخدمة المدنية خطوة ضرورية لخلق النمو، ولكنه لا يمكن أن ينجح إلا بتحقيق توافق واسع النطاق بشأن الإصلاح، وهو ما يتطلب بدوره إصلاحات في مجالات مهمة أخرى. فعلى سبيل المثال، ينبغي أن يترافق إصلاح الخدمة المدنية مع الإصلاح الضريبي الذي يعزز العدالة عن طريق توسيع القاعدة وزيادة القوة الشرائية لدافعي الضرائب الذين يتقاضون أقل الدخول (عن طريق رفع حد التكليف بضريبة الدخل، مثلاً). وكما أقرت السلطات، فإن تنفيذ الإصلاح أمر ضروري لأن القطاع الخاص وحده – وليس القطاع العام – هو الذي يستطيع خلق وظائف قابلة للاستمرار.

النشرة الإلكترونية: هل تكفي الجهود الجارية لمعالجة الفساد ودعم الحوكمة الرشيدة؟

السيد ماتي: دعم الحوكمة هو من أولويات الحكومة، كما أن الدستور التونسي المعتمد في العام الماضي ينص على مكافحة الفساد والحوكمة الرشيدة. أما التحدي الراهن فهو التنفيذ وكيف يمكن التقدم فيه. ولمعالجة هذه المسألة، تعكف السلطات على وضع قانون لإنشاء كيان دستوري مستقل رفيع المستوى لمحاربة الفساد.

وسيؤدي صدور تشريع مع نهاية العام أيضا إلى حماية المبلغين عن التجاوزات، ومعالجة تضارب المصالح في القطاع العام، كما سيلزم كبار المسؤوليين الحكوميين بالإفصاح المالي عما يملكون من أصول صافية. وسيساعد العمل على تحسين الإدارة المالية العامة وزيادة نشر الوثائق الحكومية على تشجيع الشفافية وتعزيز الحوكمة. وقد أنشئت منذ ثلاثة أشهر وزارة الوظيفة العمومية والحوكمة ومكافحة الفساد، وسوف تساعد بدورها في تنفيذ هذا الإصلاح. وسيدعم برنامج الصندوق جهود السلطات في هذا المجال، بما في ذلك مساعدتها على تدعيم الإطار الموضوع لمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب.

النشرة الإلكترونية: ما الذي فعله الصندوق لإشراك الأطراف المعنية غير الحكومية وضمان تأييدها ودعمها للبرنامج اللاحق؟

السيد ماتي: نحن نتواصل مع مجموعة متنوعة من الأطراف المعنية للاطلاع على وجهات النظر المختلفة التي يمكن تضمينها في مناقشاتنا مع السلطات. ونلتقي مع الكثير من المنظمات غير الحكومية التي تركز على مجموعة متنوعة من القضايا الاجتماعية. ونلتقي بانتظام أيضا مع المراكز البحثية والاتحادات المهنية والتجارية. وهذه السلسلة من المناقشات هي بمثابة عملية متدرجة تساعدنا على الإصغاء إلى شواغل الأطراف المعنية، وتعميق فهمنا لقضايا تونس الأساسية، وإثراء مناقشاتنا بشأن السياسات الحكومية.

ويتم الحوار مع كل الأطراف المعنية أثناء زياراتنا الدورية لتونس، وكذلك من خلال الحوار المنتظم مع ممثل الصندوق المقيم لديها.