تستفيد البلدان بطرق مختلفة من انتمائها لاتحاد نقدي – وهو تجمع لعدد من البلدان تشترك في عملة موحدة. ففي وجود اتحاد نقدي، تستطيع مؤسسات الأعمال ممارسة التجارة والاستثمار عبر الحدود بسهولة أكبر، وتستطيع البلدان الأعضاء النفاذ إلى أسواق أكبر دون التعرض لمخاطر سعر الصرف. وفي بعض الظروف، يمكن أن تساعد الاتحادات النقدية على دعم هذه البلدان عندما تتعرض لصدمة خارجية.
لكن العضوية لها تكاليفها أيضا. فهي تتطلب من البلدان التخلي عن استقلاليتها في صياغة السياسة النقدية، مما يمكن أن يجعل تكيفها مع الصدمات أكثر تعقيدا. وفي نفس الوقت، هناك قيود خاصة تواجه مؤسسات الاتحاد النقدي أيضا. ذلك أن الاتحادات النقدية مسؤولة عن خدمة مصالح كل أعضائها. وبالتالي فهي تسترشد باحتياجات الاتحاد ككل، وليس أي بلد منفرد، عند القيام بتغييرات في السياسات التي تؤثر على الاتحاد ككل، مثل السياسة النقدية.
وفي دراسة جديدة بعنوان تصميم البرامج في الاتحادات النقدية*، نستعرض تجربتنا في دعم التكيف الاقتصادي في البلدان التي تنتمي لاتحادات نقدية، كما نقترح لأول مرة إرشادات حول كيفية تصميم هذا الدعم وإدارته. وتوضح الإرشادات متى وكيف يطلب الصندوق إلى المؤسسات الاتحادية اتخاذ إجراءات داعمة من خلال سياساتها. ولا تخول الدراسة أي سلطة جديدة للصندوق - إنما تقدم تعريفا أوضح بكيفية ممارسة صلاحيته القائمة في الواقع العملي.
ما الحاجة إلى الإرشادات؟
هناك أربعة اتحادات نقدية في العالم حاليا – الجماعة الاقتصادية والنقدية لوسط إفريقيا، والاتحاد النقدي لمنطقة شرق الكاريبي، والاتحاد النقدي الأوروبي، والاتحاد الاقتصادي والنقدي لغرب إفريقيا – وكلها تفوض مؤسسات الاتحاد في سياستها النقدية، كما تفوضه في سياسة سعر الصرف وسياسة القطاع المالي، وإن كان بدرجات متفاوتة.
وتشكل الاتحادات النقدية جزءا من المشهد المالي العالمي منذ وقت طويل، لكنها تمثل الآن أكثر من 15% من الاقتصاد العالمي. ونظرا لعدم وجود إرشادات مستقرة، كان هناك شيء من عدم الاتساق في تعاوننا مع مؤسسات الاتحادات النقدية أثناء البرامج السابقة. ومع توضيح كيفية تصميم برامج التصحيح الاقتصادي في المستقبل، نأمل أن نشجع تصميم برامج أقوى وأن ندعم مزيدا من التكافؤ في معاملة الجميع.
وتشهد الاتحادات النقدية تطورا مع الوقت، بما في ذلك تحديد السياسات التي تتحمل مسؤوليتها مؤسسات الاتحاد والسياسات التي تظل تحت تصرف السلطات الوطنية. وستزداد قوة البرامج التي يدعمها الصندوق إذا زاد الوضوح بشأن التوقيت والكيفية الملائمين لإدراج الإجراءات الضرورية على مستوى الاتحاد ضمن هذه البرامج الاقتصادية حتى تقدم مساعدة فعالة للبلدان في حل مشكلاتها.
وقد تتغير مع الوقت طبيعة الإجراءات التي يمكن أن يُطلَب إلى المؤسسات الاتحادية الاضطلاع بها دعما لبرنامج بلد عضو، وذلك مع تطور طبيعة الاتحاد. فعلى سبيل المثال، تم تكليف آلية الرقابة الموحدة (SSM) بمسؤولية الرقابة المصرفية في منطقة اليورو. وبموجب هذا التغيير لم تعد السلطات الوطنية متحكمة في الإجراءات المهمة للرقابة على القطاع المالي والتي كانت مطلوبة في ظل البرامج السابقة مع اليونان وآيرلندا والبرتغال وقبرص. وبالتالي، أصبحت البرامج اللاحقة التي يُرتأى أن الإجراءات المصرفية تشكل نفس درجة الأهمية فيها تتطلب بعض الإجراءات من خلال آلية الرقابة الموحدة.
وتساعد الإرشادات أيضا في تحديد مرتكزات السياسة الملائمة على مستوى الاتحاد (مثل السياسة النقدية في مجموعة من البرامج المنفذة مؤخرا مع أعضاء اتحاد نقدي إفريقي). وتشير التجارب السابقة إلى اقتصار ذلك على الظروف الاستثنائية بالفعل؛ لأن الأمر حين كان يتطلب تحركا على مستوى الاتحاد في البرامج السابقة للاتحادات النقدية، غالبا ما كان هذا التحرك يتخذ شكل إجراءات لا تؤثر إلا على البلد القائم بالبرنامج – مثل تسوية الأوضاع المصرفية.
وتعني الإرشادات الجديدة أيضا أن الصندوق سيسعى لضمان الجودة فيما تتضمنه برامج أعضاء الاتحادات النقدية من نوايا بشأن السياسات، مثلما يفعل في برامج البلدان غير المنتمية لمثل هذه الاتحادات. وسيسهل ضمان المعاملة المتكافئة والاتساق بين مختلف الاتحادات النقدية عند إرساء توقعات أوضح لمتى تكون إجراءات السياسة مطلوبة على مستوى الاتحاد وكيف يمكن تنفيذها دعما لبرنامج البلد العضو.
متى ندعو لاتخاذ إجراء؟
إذا طلب عضو في اتحاد نقدي دعما من الصندوق، يطلب الصندوق إلى مؤسسات الاتحاد النقدي تأكيدات بشأن السياسات – أي تعهدات طوعية باتخاذ إجراءات معينة تعتبر ضرورية للنجاح في استكمال البرنامج – وذلك في الظروف التالية:
-
إذا كانت السياسات الوطنية غير كافية: المفترض في تصميم البرنامج أن يكون قائما، قدر الإمكان، على السياسات التي تتحكم فيها السلطات الوطنية في البلد العضو. وإذا تعذر ذلك فقط، يُطْلب إلى مؤسسات الاتحاد المعني اتخاذ إجراءات تكميلية – وهو ما يحدث في العادة عند تفويض مؤسسات الاتحاد في التعامل مع جانب أساسي من جوانب السياسة.
-
إذا كان الإجراء المطلوب ضروريا لنجاح البرنامج: يتحدد ذلك بنفس الطريقة التي يتحدد بها إذا كانت السياسات المعنية تحت تصرف البلد العضو. فيجب أن يُرتأى أن الإجراء ضروري لنجاح البرنامج، أي أن عدم تنفيذه يهدد تحقيق أهداف البرنامج.
-
إذا كان الإجراء متسقا مع الصلاحيات والأطر القانونية الموضوعة: كما هو الحال مع مؤسسات البلدان المنفردة، لن يطلب الصندوق إلى مؤسسات الاتحاد اتخاذ إجراءات أو قطع تعهدات تتعارض مع التفويض الممنوح لها أو مع الأطر القانونية أو المؤسسية.
كيف ندعو لاتخاذ إجراء؟
تتوقف قيمة التأكيدات المتعلقة بالسياسة على عامل مهم، هو كيفية صياغته وتبليغه. وتحدد الإرشادات مطلبين أساسيين في هذا الخصوص:
-
الشفافية: ينبغي أن تكون التأكيدات واضحة ومحددة وقابلة للرصد، كما ينبغي أن تكون محددة التوقيت – حيثما كان ذلك ضروريا. فمن شأن هذا أن يضمن الوضوح بشأن الإجراء المتعهد به، ويؤكد (في الوقت المناسب) ما إذا تم تنفيذه على النحو المستهدف.
-
طريقة التبليغ: ينبغي أن تقدم المؤسسة المعنية التأكيدات المطلوبة في صورة مكتوبة، سواء في شكل خطاب إلى الصندوق أو بيان عام – فنحن ندرك أن المؤسسات المختلفة قد يكون لها تفضيلات مختلفة في هذا الخصوص. وطبقا لسياستنا الحالية، يمكن أن تظل هذه التأكيدات سرية في مجموعة من الظروف المحدودة فقط، كأن يكون من المحتمل حدوث تحركات مُرْبِكة في الأسواق نتيجة إعلانها.
وتمثل الإرشادات الجديدة التي وافق عليها المجلس التنفيذي* في فبراير الماضي خطوة مهمة لتوضيح كيفية دعم الصندوق لأعضاء الاتحادات النقدية الذين يضطلعون بعمليات تصحيحية في اقتصاداتهم. وهي بمثابة تطور طبيعي لجهودنا السابقة في العمل مع الاتحادات النقدية، وسوف تكفل اتخاذ الصندوق قرارات الإقراض على ركيزة قوية ومتكافئة – مع ضمان اتباع منهج يأخذ في الاعتبار ظروف البلدان والاتحادات النقدية ويحمي استقلالية مؤسسات الاتحادات النقدية.
*****
شون هيغن هو المستشار القانوني العام ومدير إدارة الشؤون القانونية بصندوق النقد الدولي، وكان يعمل في القطاع الخاص في نيويورك وطوكيو قبل انضمامه إلى الصندوق. وتتضمن مهام عمله تقديم المشورة لإدارة الصندوق العليا ومجلسه التنفيذي وبلدانه الأعضاء حول مختلف الجوانب في عمليات الصندوق، بما في ذلك مهامه التنظيمية والاستشارية والإقراضية. والسيد هيغن له العديد من الأعمال المنشورة حول قانون الصندوق ومجموعة كبيرة من القضايا القانونية المتعلقة بمنع الأزمات وتسويتها، مع تركيز خاص على الإعسار وإعادة هيكلة الدين.
هيو بريدينكامب يعمل نائبا لمدير إدارة الاستراتيجيات والسياسات والمراجعة بالصندوق. ومنذ انضمامه إلى الصندوق في عام 1988 قادما من وزارة الخزانة في المملكة المتحدة، عمل على اقتصادات بلدان في أوروبا الغربية، والاتحاد السوفيتي السابق، وآسيا، وإفريقيا، حيث كان رئيس بعثة الصندوق لغانا. وفي الفترة 2004-2007، شغل السيد بريدينكامب منصب الممثل المقيم للصندوق في تركيا.