Credit: Healthcare companies are studying how to use the technology behind crypto assets to maintain confidential medical data (BSIphotos/Newscom).

منهج متجرد في التعامل مع الأصول المشفرة

سرعة الدوران المذهلة للأصول المشفرة، مثل عملة البتكوين، تستدعي إلى الأذهان مقارنات مع "هَوَس تجارة التوليب" الذي اكتسح هولندا في القرن السابع عشر ومؤخراً فقاعة الدوت كوم. فمع تداول أكثر من 1600 أصل مشفر، يبدو من الحتمي أن يعجز الكثير منها عن الاستمرار في مواجهة عملية الهدم الخلاق.

وفي التدوينة التي كتبتها الشهر الماضي، نظرت إلى الجانب المظلم في الأصول المشفرة، بما في ذلك احتمال استخدامها في غسل الأموال وتمويل الإرهاب. وهنا، أود النظر في الإمكانات الإيجابية التي تبشر بها. والواقع أن نظرة متبصرة في هذه الأصول تجعلنا نتجنب الإفراط سواءً في إدانتها أو الاحتفاء بها.

فكما تحولت حياتنا بظهور بضع تكنولوجيات من عصر الدوت كوم، يمكن لمن يستمر من الأصول المشفرة أن يُحْدِث أثراً كبيراً في كيفية ادخارنا واستثمارنا وسدادنا للفواتير. ولهذا ينبغي لصناع السياسات أن يظلوا منفتحين للأفكار الجديدة وأن يعملوا على إرساء إطار تنظيمي عادل يحد من المخاطر مع السماح للعملية الإبداعية بأن تؤتي ثمارها. وقد كانت هذه واحدة من النقاط التي أبديتها في كلمة ألقيتها العام الماضي في بنك انجلترا.

فما هي بعض الثمار المحتملة؟ لقد بدأت الإجابات تتبلور بالفعل.  

السرعة وانخفاض التكلفة

توازن أفضل

إن ثورة التكنولوجيا المالية، في رأيي، لن تلغي الحاجة لوسطاء مؤتمنين كالسماسرة والمؤسسات المصرفية. غير أن هناك أمل في أن تؤدي لامركزية التطبيقات التي تشجعها الأصول المشفرة إلى تنويع المشهد المالي، وتحقيق توازن أفضل بين مقدمي الخدمات على أساس مركزي ولامركزي، وإيجاد منظومة مالية تتسم بكفاءة أكبر، وربما قوة أكبر في مقاومة المخاطر.

فما هي انعكاسات ذلك على الاستقرار المالي؟ يفيد تقييمنا المبدئي بأنه، نظراً لتأثير الأصول المشفرة الذي لا يزال ضئيلاً وروابطها المحدودة مع بقية أجزاء النظام المالي، فإن هذه الأصول لا تشكل خطراً محدقاً. ومع ذلك، يجب على الأجهزة التنظيمية أن تتوخى اليقظة المستمرة. فالأصول المشفرة يمكنها تضخيم مخاطر التداول الأكثر اعتماداً على الرفع المالي وزيادة نقل الصدمات الاقتصادية، إذا أصبحت أكثر اندماجاً مع المنتجات المالية السائدة.

وبالإضافة إلى ذلك، ستواجه البنوك وغيرها من المؤسسات المالية تحديات أمام نماذج عملها، إذا حدث تحول واسع النطاق من العملات التي تصدرها الحكومة إلى الأصول المشفرة. وقد تجد الأجهزة التنظيمية صعوبة أكبر في ضمان استقرار نظام مالي أكثر انتشاراً ولامركزية، كما أن البنوك المركزية قد تواجه مشكلة في العمل كمقرض أخير إذا ما وقعت أزمة.  

منهج متجرد

قبل أن تتمكن الأصول المشفرة من تحويل النشاط المالي بصورة مؤثرة ودائمة، يجب أن تكسب ثقة ودعم المستهلكين والسلطات. ومن الخطوات المبدئية المهمة في هذا الصدد أن يتم التوصل لتوافق في الآراء داخل المجتمع التنظيمي العالمي حول الدور الذي ينبغي أن تضطلع به هذه الأصول. ولأنها أصول لا تعترف بالحدود، يصبح التعاون الدولي أمراً لا غنى عنه.

وهنا في الصندوق، وبعضوية تشمل 189 بلداً، يمكن أن نساهم بدور أساسي من خلال تقديم المشورة والعمل كمنبر للنقاش والتعاون لبلورة منهج تنظيمي متسق.

وحتى يتحقق هذا، يجب أن نواكب التطورات السريعة في الأسواق والتكنولوجيات. ويجب أن نتحرك بسرعة لسد فجوات المعرفة التي تعوق المراقبة الفعالة للأصول المشفرة. وينبغي إجراء تقييم للمخاطر النظامية والتحرك في الوقت المناسب لمواجهتها من خلال السياسات، إلى جانب اتخاذ إجراءات لحماية المستهلكين والمستثمرين ونزاهة السوق.  

ومن الضروري فهم المخاطر التي تفرضها الأصول المشفرة على الاستقرار المالي حتى نتمكن من التمييز بين الأخطار الحقيقية والمخاوف التي لا داعي لها. ولهذا نحتاج إلى جدول أعمال تنظيمي متجرد، يوفر الحماية من المخاطر دون تثبيط الابتكار.

إن اعتماد منهج واضح الرؤية يمكن أن يساعدنا في جني المكاسب التي يبشر بها المشهد الجديد للأصول المشفرة وتجنب الوقوع فيما ينطوي عليه من أخطار.

 

*****

كريستين لاغارد تشغل منصب مدير عام صندوق النقد الدولي. وبعد انتهاء مدتها الأولى البالغة خمس سنوات في هذا المنصب، أعيد تعيينها في يوليو 2016 لمدة ثانية. وهي فرنسية الجنسية وسبق لها العمل وزيرا لمالية فرنسا اعتبارا من يونيو 2007 إلى يوليو 2011، كما شغلت منصب وزير دولة للتجارة الخارجية لمدة عامين قبل ذلك التاريخ.

وتتمتع السيدة لاغارد بخبرة عملية واسعة وتاريخ مهني بارز كمحام في الشؤون العمالية ومكافحة الاحتكار، إذ كانت شريكا في مؤسسة المحاماة الدولية "بيكر آند ماكينزي" ثم اختارها الشركاء لتكون رئيسا للمؤسسة في أكتوبر 1999، وهو المنصب الذي ظلت تشغله حتى يونيو 2005 حين عينت في أول مناصبها الوزارية في فرنسا. والسيدة لاغارد حاصلة على درجات علمية من معهد العلوم السياسية وكلية الحقوق في جامعة باريس 10، حيث عملت محاضِرة أيضا قبل انضمامها لمؤسسة "بيكر آند ماكينزي" في عام 1981.