صندوق النقد الدولي

Search

نشرة صندوق النقد الدولي

26 يناير 2011

مزارع يجمع التمر في الجزائر، حيث يمثل النفط والغاز أهم بنود التصدير ولكن هناك منتجات أخرى تتمتع بإمكانات تصديرية كبيرة أيضا (الصورة: Louafi Larbi/ Reuters/ Newscom)

فحص سلامة الاقتصاد

الجزائر ينبغي أن تحد من الاعتماد على النفط وتنشئ مزيدا من فرص العمل

سيحقق الاقتصاد العالمي معدل نمو قدره 4,5% في عام 2011، لكن هناك إجراءات لا يزال يتعين اتخاذها لمعالجة بعض المشكلات الأساسية، ومنها ارتفاع البطالة والقضايا المصرفية في الاقتصادات المتقدمة ومخاطر النشاط الاقتصادي المحموم في الأسواق الصاعدة، طبقا لتحليل جديد صدر عن صندوق النقد الدولي.

  • رغم التقدم المحقق، لا يزال معدل البطالة مرتفعا لا سيما بين الشباب
  • تمثل الاستثمارات الأخيرة في البنية التحتية والتعليم خطوة إيجابية
  • لكن الجزائر يجب أن تعمل على تحسين مناخ الأعمال وإنشاء فرص العمل

قال صندوق النقد الدولي إنه يتعين تنويع الصادرات في اقتصاد الجزائر الذي تسيطر عليه صناعة النفط والغاز الطبيعي، وكذلك إنشاء فرص عمل جديدة تساهم في حل مشكلة البطالة المرتفعة بين الشباب.

أشار صندوق النقد الدولي في تقييمه السنوي للاقتصاد الجزائري إلى جودة أداء الاقتصاد، ولكنه ذكر أيضا أن الجزائر لا يزال شديد الاعتماد على النفط والغاز وعلى الإنفاق العام.

وفي تصريح للسيد جويل توهاس-برناتيه، رئيس بعثة الصندوق إلى الجزائر، قال إن تحقيق التنويع المطلوب، والذي يمثل أحد أهداف السلطات الأساسية، ينبغي أن يتوافر في البلاد مناخ أعمال أكثر تشجيعا لتطور القطاع الخاص. ونورد فيما يلي المقابلة التي أجريت مع السيد توهاس-برناتيه، حيث يتحدث عما خلص إليه تحليل الصندوق الذي تم مؤخرا.

نشرة الصندوق الإلكترونية: هل لك أن ترسم لنا صورة لاقتصاد الجزائر اليوم؟

توهاس-برناتيه: الاقتصاد الجزائري تسيطر عليه موارد النفط والغاز، حيث تمثل 98% من صادرات البلاد. ويمثل قطاع قطاع الهيدروكربونات حوالي 40-45% من مجموع إجمالي الناتج المحلي ونحو ثلثي إيرادات الموازنة. ومن السمات البارزة الأخرى أن للدولة دور مهيمن في الاقتصاد. فنجد أن القطاع العام يمتلك 90% من بنوك البلاد، وشركة الهيدروكربونات مملوكة للدولة، والإنفاق الحكومي يستحوذ على ثلثي إجمالي الناتج المحلي من غير الهيدروكربونات.

وقد حقق الاقتصاد الكلي الجزائري أداء قويا في العشر سنوات الماضية. فمع اقتران أسعار النفط المرتفعة نسبيا بالسياسات الاقتصادية الكلية الرشيدة، تمكنت الجزائر من تحقيق نمو قوي وتضخم محدود وتخفيض حاد في الدين العام والخارجي. واستطاعت أيضا تحويل قدر كبير من الاحتياطيات الخارجية وموارد الموازنة إلى صندوق مخصص لضبط إيرادات النفط، مما ساعد على حماية البلاد من مغبة انخفاض أسعار الهيدروكربونات الدولية في عام 2009. ومع ذلك، لا تزال هناك تحديات باقية ـ أهمها البطالة، التي لا تزال مرتفعة، وخاصة بين الشباب.

نشرة الصندوق الإلكترونية: بطالة الشباب تتجاوز الآن 20% في الجزائر. لماذا؟

توهاس-برناتيه: قامت الاتجاهات السكانية بدور مهم في هذا الخصوص. فسكان الجزائر في سن صغيرة ويزيدون بسرعة، ولذلك تحتاج الجزائر إلى نمو أعلى بكثير حتى تتمكن من استيعاب الداخلين الجدد إلى سوق العمل. وكما أشارت تحليلات جهات أخرى مثل البنك الدولي، هناك مشكلة جمود سوق العمل ـ حيث من المكلف والصعب استخدام العاملين وفصلهم ـ وهناك عدم توافق بين المهارات المتوافرة ومتطلبات سوق العمل. وينبغي أن أؤكد هنا أن الجزائر قد قطعت شوطا طويلا بالفعل ـ فمنذ عشر سنوات، كانت بطالة الشباب تزيد على 50%. ومع ذلك فلا تزال البطالة التي تبلغ 21% حاليا بين الشباب بطالة مرتفعة.

نشرة الصندوق الإلكترونية: ما هو معدل النمو الاقتصادي اللازم لإحداث خفض ملموس في معدل البطالة؟

توهاس-برناتيه: من الصعب تحديد ذلك، لكن القوى العاملة تنمو بمعدل يتراوح بين 2,5 و 3% سنويا. ولمجرد تثبيت البطالة على معدلها الراهن واستيعاب الداخلين الجدد إلى سوق العمل، ربما تحتاج الجزائر إلى تحقيق نمو في غير قطاع الهيدروكربونات بمعدل لا يقل عن 5%.

نشرة الصندوق الإلكترونية: هل توجد لدى السلطات خطة لتنمية رأس المال البشري على المدى الطويل؟

توهاس-برناتيه: لقد حققت السلطات تقدما طيبا ـ حيث أصبح تم تعميم التعليم الأولي ونرى الآن معدلا التحاق مرتفعة بالتعليم الابتدائي والعالي. لكن السلطات توجه اهتماما أكبر إلى التدريب المهني للحد من عدم توافق المهارات مع متطلبات سوق العمل، ونظرا لارتفاع عدد خريجي الجامعات بين العاطلين. وتوجه السلطات نفقات كبيرة إلى التعليم ـ حوالي 6% من إجمالي الناتج المحلي على مدار العشر سنوات الماضية.

نشرة الصندوق الإلكترونية: من بين الأهداف الأساسية تنويع النشاط بحيث يتراجع التركيز على قطاع النفط والغاز المسيطر على الاقتصاد. ما الذي تقوم به الحكومة لتحقيق هذا الهدف؟

توهاس-برناتيه: تنويع النشاط هو ركيزة الاستراتيجية الاقتصادية في الجزائر. فقد شرعت الحكومة في جهد هائل لتحسين البنية التحتية، والتوسع في إتاحة الخدمات (مثل الإسكان والمياه والطاقة والرعاية الصحية)، وتكوين قوة عاملة ماهرة. وصاحبت هذه الخطوات سلسلة من التدابير لزيادة فرص الحصول على الائتمان أمام الشركات الصغيرة والمتوسطة وتيسير ريادة الأعمال.

لكن هذا الجهد يستغرق وقتا حتى يثمر. وصادرات الجزائر اليوم هي الأقل تنوعا في العالم، حتى إذا ما قورنت بغيرها من البلدان المنتجة للنفط. وسوف يعتمد مستقبل الاقتصاد في المدى الطويل على نجاح الحكومة في تحسين مناخ الأعمال بما يتيح للمشروعات الجديدة أن تظهر وتنمو وتستفيد من هذه البنية التحتية والاستثمارات الاجتماعية الضخمة.

نشرة الصندوق الإلكترونية: هل تقوم الحكومة بجهد كاف لتشجيع الاستثمار الأجنبي المباشر؟

توهاس-برناتيه: تحتاج الجزائر إلى مناخ أعمال أكثر تشجيعا لتطور القطاع الخاص. وقد كان هذا البند على رأس جدول الأعمال الجزائري في الجزء الأول من العقد، لكن الأولوية انتقلت إلى توفير برامج للاستثمارات العامة الكبيرة.

ينبغي أن تواصل السلطات الجزائرية مراجعة استراتيجيتها الحالية لتحديد كيفية إتاحة الفرصة لظهور قطاع خاص أقوى وأكبر. وقد اعتمدت الحكومة في عام 2009 لوائح جديدة للاستثمار الأجنبي المباشر تحد من مشاركة الاستثمارات الأجنبية في المشروعات الجديدة. ورغم أن الهدف وراء هذه اللوائح هو تشجيع الشراكات الجديدة مع المستثمرين المحليين، فإن ما رأيناه بالفعل هو انخفاض ملحوظ في تدفقات الاستثمار الأجنبي الداخلة الضعيفة أصلا.

وتطوير القطاع المالي مطلب أساسي أيضا. والآن نجد أن القطاع المالي الجزائري لا تزال تسيطر عليه البنوك العامة، وهناك احتياج واضح لمزيد من التحديث والتعميق للقطاع المالي حتى يتيسر الحصول على الائتمان. ويمكن أن تكون الشراكات الأجنبية مفيدة للغاية في هذا الخصوص.

نشرة الصندوق الإلكترونية: هل الجزائر مندمجة بالقدر الكافي مع بقية بلدان المنطقة ومع أوروبا؟

توهاس-برناتيه: الجزائر قامت بالانفتاح التجاري تدريجيا. لكن هذا أثار مخاوف من احتمال زيادة الاستيراد بشكل مفرط، وهناك تدابير اتُّخِذَت مؤخرا تهدف إلى كبح هذا النمو. والجزائر ليست عضوا في منظمة التجارة العالمية، وهي تفرض رسوما جمركية مرتفعة نسبيا، وليست لها علاقات تجارية كبيرة مع البلدان الأخرى في المنطقة. ويمكن أن يكون لتحرير التجارة دور مهم في مساعدة الاقتصاد الجزائري كي يصبح أقدر على المنافسة وأكثر تنوعا. وقد رأينا تجارب مماثلة في بلدان أخرى من مصدري السلع الأولية. ومن الأمثلة الواضحة شيلي، التي كانت مصدرة للنحاس بصفة أساسية في أوائل سبعينات القرن الماضي، لكنها صادراتها الآن أصبحت عالية التنوع. وقد سعت شيلي بدأب كبير على تنفيذ سياسة جريئة للانفتاح التجاري، فدخلت في عضوية مناطق تجارية كبرى ووقعت اتفاقيات للتبادل التجاري مع أطراف اتفاقية أمريكا الشمالية للتجارة الحرة ("نافتا").

نشرة الصندوق الإلكترونية: ما هو في رأيك التأثير الممكن للقلاقل الاجتماعية الجارية في تونس على الجزائريين؟

توهاس-برناتيه: السياقان مختلفان من عدة زوايا ـ اقتصادية وسياسية واجتماعية. فقد شهدنا اضطرابات في الجزائر في بداية هذا الشهر، أطلقتها الزيادات الكبيرة في أسعار المواد الغذائية الأساسية (السكر والزيت). لكن السلطات استطاعت اتخاذ تدابير سريعة لتخفيض هذه الأسعار مع إعفاء هذه المواد من الرسوم الجمركية وضريبة القيمة المضافة بشكل مؤقت. ومع ذلك، لا تزال هناك توترات تحتية مرتبطة بارتفاع البطالة بين الشباب. وإذا كان هناك تصور بأن الثروة النفطية التي تتمتع بها البلاد لا تعود بالنفع على كل قطاعات السكان، يمكن أن تصبح الأوضاع أكثر توترا.

نشرة الصندوق الإلكترونية: إذا كان سعر بعض المواد الغذائية الأساسية مرتفعا، فما هي التدابير التي يمكن أن يوصي بها الصندوق لمعالجة هذه المشكلة على المدى المتوسط؟

توهاس-برناتيه: حتى الآن نرى أن التدابير المعتمدة ملائمة، لأن الحكومة لديها من الموارد ما يغطي تكلفتها، وهي تكلفة بسيطة نسبيا تعادل نحو 0.3% من إجمالي الناتج المحلي. وستظل هذه التدابير هي الاستجابة الصحيحة ما دامت موجهة نحو بنود الغذاء الأساسية التي تستهلكها أفقر فئات السكان.

أما في المدى الأطول، فعلى السلطات أن تشجع المنافسة في قطاع توزيع المواد الغذائية وتجنب السلوك الاحتكاري المحتمل، والذي قد يكون عاملا مساهما وراء ارتفاعات الأسعار الحادة في الآونة الأخيرة. ويمكن أن تعمل الجزائر أيضا على تطوير قطاعها الزراعي حتى تزداد حصانتها ضد التباينات الكبيرة في أسعار السوق الدولية.

نشرة الصندوق الإلكترونية: ما المخاطر التي تواجه الجزائر؟

توهاس-برناتيه: إذا ظل الاقتصاد شديد الاعتماد على الهيدروكربونات بعيدا عن التنويع، فسوف يبقى معرضا للصدمات السلبية على أسعار النفط ولن يتمكن من إنشاء فرص العمل الكافية. وقد اضطرت الجزائر إلى تخفيض الإنفاق العام في منتصف ثمانينات القرن الماضي حين تعرضت لهبوط كبير في أسعار النفط. وتسبب هذا بدوره في ظهور مشكلات اجتماعية وكان من العوامل التي أدت إلى "العقد الضائع" في التسعينات وإلى عدم الاستقرار السياسي. وقد تكونت موارد مالية كبيرة في العشر سنوات الماضية بفضل السياسة الاقتصادية الرشيدة، وسوف تساعد هذه الموارد في تخفيف هذا الخطر. لكن الهيدروكربونات تجلب الثروة، وليس الوظائف. وبدون نمو قوي في القطاعات الأخرى، يمكن أن تستمر حالة السخط بين المواطنين بسبب ارتفاع البطالة.