Credit: Traffic congestion along Scotts Road on 15 January 2015. (Newscom TagID: sphphotos000206.jpg) [Photo via Newscom]

الرهان الرقمي: التكنولوجيا الجديدة تُحدث تحولاً في سياسة المالية العامة

في رواندا، تُستخدم الطائرات الجوالة بلا طيار لتوصيل إمدادات الدم إلى المستشفيات. وفي إستونيا، يستغرق إعداد الإقرارات الضريبية خمس دقائق كما أن 99% من الخدمات الحكومية متاح إلكترونيا . أما سنغافورة فكانت أول مدينة تطبق نظام تسعير إلكتروني للطرق بهدف إدارة الاختناقات المرورية. إن عالمنا يتحول عالم رقمي، والمعلومات الموثوقة والحديثة والدقيقة أصبح الحصول عليها لا يحتاج أكثر من ضغطة زر. وعلى نفس الدرب تسير الحكومات، فهي تستخدم الأدوات الرقمية في سياسات الضرائب والإنفاق، وإدارة المالية العامة، وتوصيل الخدمات العامة.

ومع توافر معلومات أفضل، تستطيع الحكومات بناء نظم أفضل، وتصميم وتنفيذ سياسات أفضل. ويوضح العدد الجديد من تقريرنا الراصد المالي* كلاً من الفرص والتحديات المطروحة في سياق التحولات التي تُحدِثها التكنولوجيا في سياسة المالية العامة.

ضع رهانك

الرهان؟ إنه رهان على المنافع التي يحققها التحول الرقمي رغم احتمالات الاحتيال، وخروقات الخصوصية والأمن الإلكتروني، وتكلفة اعتماد التكنولوجيات الجديدة.

 

وقد سارع المبتكرون إلى الاستفادة من فرصة ظهور الأدوات الرقمية لتيسير حياة المواطنين. موسم ضريبي بلا مجهود؟ شاهد بنفسك. فالكينيون يدفعون الضرائب بهواتفهم الذكية. والنرويجيون تتولى الحكومة ملء بيانات إقراراتهم الضريبية مسبقا. خدمات عامة أفضل؟ تم بالفعل. فالهنود يتلقون الإعانات الاجتماعية عن طريق تحويلات إلكترونية إلى حساباتهم المصرفية المربوطة بهويتهم التي تحددها المقاييس الحيوية.  

وقد أصبح بمقدور البلدان أن تتعامل مع التهرب الضريبي باستخدام حلول رقمية. فالجمارك البريطانية تستخدم البيانات الكبيرة لرصد السلوك الاحتيالي بين المستوردين عبر الحدود. وتشير تقديراتها إلى أن اعتماد مثل هذه الأساليب يمكن أن يزيد من الضرائب غير المباشرة التي تُحَصّل سنويا على الحدود بنسبة تصل إلى 1-2% من إجمالي الناتج المحلي .

وقد كشفت وثائق بنما وبارادايس عن ثروات كبيرة تتخذ مناطق الولاية ذات الضرائب المنخفضة ملاذا لها – بقيمة متوسطة قدرها 10% من إجمالي الناتج المحلي العالمي . ومع تبادل المعلومات المتعلقة بدافعي الضرائب رقمياً عبر الحدود، تظهر آفاق جديدة تبشر بإمكانية تتبع هذه الثروات بمزيد من الفعالية قبل أن يخبئها أصحابها بعيدا عن الأنظار.

هل هناك من يتجنب الرهان؟

ما الذي يدعو الحكومات إلى تجنب الرهان على التكنولوجيا الجديدة؟

الأسباب متنوعة. فالمواطنون لا يثقون في حماية حكوماتهم لمعلوماتهم الشخصية. ففي الولايات المتحدة، أقل من ثلث المواطنين يعتقدون أن الحكومة يمكنها الحفاظ على سجلاتهم الرقمية في مأمن.

وكثير من الأسر الفقيرة لا تمتلك الأدوات الرقمية اللازمة وقد تُتْرَك وراء الركب. فالمشتركون في خدمة الهاتف المحمول أقل من نصف السكان في إفريقيا.
وهناك من الفرص الكثير لممارسة الاحتيال. ففي كوريا، داهمت السلطات مؤخرا أكبر مقرات لتداول العملات المشفرة بتهمة التهرب الضريبي. وتواجه الحكومات التي تنقصها السيولة وتفتقر إلى القدرات الكافية تحديات أكبر في إدارة هذه المخاطر.  

الشركات الرقمية في كل مكان

وبعض هذه التحديات مرتبط بالسياسات. فالشركات من أمثال غوغل وآبل وفيسبوك وأمازون معروفة للجميع، لكن الشركات الرقمية حولنا في كل مكان وتنشأ عنها عمليات بيع دون أن يكون لها وجود مادي يُذكر. وهي تستفيد من القيمة التي يخلقها المستخدمين – حيث إن استخدام تطبيقات هواتفنا الذكية تنتج عنه معلومات مجانية ولكنها قيِّمة. فهل تستطيع الحكومات، أو هل ينبغي لها، فرض ضرائب على هذه القيمة في مكان إقامة المستهلك، حتى إذا كان مقر الشركة المادي يقع في مكان آخر؟

 

إن ضخامة حجم هذه الأنشطة الرقمية يكفي لإثارة المخاوف بشأن مدى إنصاف النظام الدولي المتبع في توزيع حقوق فرض الضرائب دولياً. وقد طبقت بعض البلدان – تحديداً إسرائيل وإيطاليا – إجراءات ضريبية متخصصة تستهدف الشركات الرقمية، لكن هذه الحلول غير المنسقة لا يمكن أن تقدم حلاً. فمع تحول الاقتصاد كله إلى اقتصاد رقمي، يتعين أن تكون الحلول عالمية.

الطريق القادم

بدأ الناس يستخدمون أوبر بدلاً من التاكسي التقليدي، وAirbnb بدلاً من الفنادق، و PayPalبدلاً من النقد السائل. فهل تستطيع الحكومات البقاء على الهامش في خضم هذا التحول؟

ربما لا. وسيتطلب التغلب على التحديات ذات الصلة عدة أمور:  

إن الرقمنة لن تحل كل المشكلات التي تواجه صناع السياسات – بل إنها قد تخلق بعض المشكلات الجديدة. لكن الحكومات لا يمكنها الرهان ضد هذا الاتجاه. قاومه على مسؤوليتك، أو اشرع في رحلة لرسم ملامح طريقك القادم.

*****
فيتور غاسبار من البرتغال ويعمل مديرا لإدارة شؤون المالية العامة بصندوق النقد الدولي. وقبل انضمامه إلى الصندوق، تقلد العديد من المناصب الرفيعة المتعلقة بالسياسات الاقتصادية في البنك المركزي البرتغالي، بما في ذلك منصبه الأخير كمستشار خاص. وسبق للسيد غاسبار أن تقلد منصب وزير دولة ووزيرا للشؤون المالية في البرتغال في الفترة 2011-2013، وكان رئيسا لمكتب مستشاري السياسات الأوروبية التابع للمفوضية الأوروبية في الفترة 2007-2010 ومديرا عاما للبحوث في البنك المركزي الأوروبي من 1998 إلى 2004. والسيد غاسبار حاصل على درجة الدكتوراه في الاقتصاد بالإضافة إلى دبلوما لاحقة للدكتوراه من جامعةUniversidade Nova de Lisboa ؛ كما دَرَس في جامعة  Católica Portuguesa Universidade البرتغالية أيضا .

جنفييف فردييه تعمل نائبا لرئيس قسم في دارة شؤون المالية العامة. وقبل انضمامها إلى الصندوق، كانت أستاذا مساعدا للاقتصاد في جامعة تكساس إيه آند إم. وقد سبق لها العمل اقتصادية في إدارة البحوث في بنك كندا المركزي. والسيدة فردييه حاصلة على درجة الدكتوراه من جامعة بريتيش كولومبيا، وهي تغطي مجموعة واسعة من قضايا الاقتصاد الكلي المتعلقة بكفاءة الإنفاق العام، والاستثمار العام، وإعادة هيكلة الدين السيادي، والنمو الاقتصادي، والتطور المالي، وذلك في سياق عملها حتى الآن ودراساتها المنشورة ضمن أبحاث الصندوق والمطبوعات المتعلقة بالسياسات، والكتب والدوريات المتخصصة الخاضعة لمراجعة النظراء.

*  بالانجليزية