Credit: (Image: Andrei Vasilev/iStock by Getty Images)

الشرق الأوسط في حاجة إلى ضرائب أكثر عدالة للمساعدة على تحقيق النمو والحد من عدم المساواة

زيادة تصاعدية الضرائب وتقليل الإعفاءات سيساعدان الحكومات على تلبية أولويات الإنفاق العاجلة وجعل المجتمعات أكثر عدالة. إن لبلدان الشرق الأوسط وآسيا الوسطى تاريخا طويلا من استخدام الضرائب لتنمية اقتصاداتها وتعزيز الإدماج الاجتماعي.

 ويمكن إرجاع أول ضريبة على الدخل إلى مصر القديمة منذ 5 آلاف عام ماضية. فقد استخدمها الفراعنة في بناء مخازن الحبوب وإطعام الفقراء أثناء فترات العَوَز. أما الزكاة، وهي التزام مالي شبيه بالضريبة التصاعدية بدأ تطبيقه في القرن الثاني عشر، فلا يزال تحصيلها مستمرا لتمويل الإنفاق الاجتماعي في المملكة العربية السعودية وبلدان أخرى.

وتطورت النظم الضريبية كثيرا على مر القرون، وتنطوي على فروق شاسعة بين البلدان، بما في ذلك بين البلدان المصدرة والبلدان المستوردة للنفط والغاز. وعلى الرغم من التقدم الذي تحقق مؤخرا، بما في ذلك تطبيق ضريبة القيمة المُضافة وضريبة دخل الشركات في بعض البلدان المصدرة للنفط، يظل بذل الجهود لوضع نظم ضريبية حديثة تتسم بالكفاءة والعدالة إحدى الأولويات.

ولا تزال نسبة الإيرادات الضريبية إلى إجمالي الناتج المحلي منخفضة نسبيا برغم التقدم المتحقق في توسيع الأوعية الضريبية في كثير من البلدان. وفي نفس الوقت، تواجه الحكومات ضغوطا مباشرة لزيادة الإنفاق من أجل حماية الفقراء من عدة أمور منها التصاعد الحاد في تضخم أسعار الغذاء والوقود، وتحسين الرعاية الصحية والتعليم، وبناء الصلابة في مواجهة الصدمات المستقبلية، وتحقيق أهداف التنمية المستدامة للأمم المتحدة.

وتنظر دراسة أعدها خبراء الصندوق مؤخرا في التحديات التي تفرضها عملية تعبئة مزيد من الإيرادات الضريبية والفرص التي تتيحها في الشرق الأوسط وآسيا الوسطى، فتقدم تقديرات جديدة لحجم الإيرادات الإضافية التي يمكن تحصيلها لتحسين آفاق النمو والإدماج الاجتماعي: فالفرق بين حصيلة الضرائب الفعلية والممكنة يساوي في المتوسط حوالي 14% من إجمالي الناتج المحلي (ما عدا النفط والغاز). وبعبارة أخرى، فإن المجال متاح أمام الحكومات لتعبئة مزيد من الإيرادات بجعل نسب الضرائب أقرب إلى المستويات التي يمكنها بلوغها بالنظر إلى هياكلها الاقتصادية.

ونجد في البلدان منخفضة الدخل في المنطقة بعض أكبر فجوات الإيرادات – وتُعزى غالبا إلى آثار الهشاشة والصراعات.

blog070622-ar-figure1

ويمكن إرجاع ضعف تحصيل الضرائب إلى مجموعة من العوامل. فاستخدام الضرائب المباشرة – وخاصة على الدخل الشخصي ودخل الشركات – محدود. وضرائب العقارات غير متطورة نسبيا.

 وهناك مجموعة متنوعة من الجبايات غير المباشرة على السلع الاستهلاكية والتي تسهم بمعظم الإيرادات الضريبية (ما عدا الإيرادات من النفط والغاز) ولكن الإعفاءات منها شائعة وواسعة. ومن أسباب تراجع قدرة الحكومات على تحصيل الضرائب ضعف الامتثال الضريبي وانتشار العمل في القطاع غير الرسمي.

blog070622-ar-figure2

ويمكن كذلك فرض ضرائب أكثر تصاعدية. وتتباين ضرائب الدخل الشخصي في المنطقة من حيث مدى ارتفاع متوسط معدل الضريبة مع زيادة الدخل وقدرتها على إعادة التوزيع من الأسر الأغنى إلى الأسر الأفقر. ويطبق العديد من البلدان، منها الجزائر وإيران والعراق، ضريبة تصاعدية نسبيا على الدخل الشخصي. ومع هذا، فإن إيراداتها ضئيلة للغاية في بعض البلدان إلى حد لا يسمح لها بإعادة توزيع الدخل بشكل ملموس. وتحقق بلدان أخرى إيرادات أكبر من خلال ضريبة الدخل الشخصي، غير أن معدلاتها أقل تصاعدية.

 تعبئة الإيرادات وتحسين الإدماج

 يوضح بحثنا أن إلغاء الإعفاءات والحوافز غير الكفء المنتشرة على نطاق واسع من شأنه توسيع الأوعية الضريبية ويجعل النظم الضريبية أكثر عدالة وشفافية. وقد حقق العديد من البلدان تقدما ملموسا في توسع الوعاء الضريبي أو هو بصدد ذلك. فمصر، على سبيل المثال، تهدف إلى إصلاح قانون ضريبة الدخل لديها لتبسيط إطارها القانوني وترشيد الإعفاءات منها.

 وعلاوة على ذلك، فمن خلال إصلاحات النظم الضريبية، كإعادة تصميم ضريبة الدخل الشخصي وضريبة القيمة المُضافة، ومواصلة تطوير ضرائب العقارات، يمكن إعطاء دفعة لتحصيل الإيرادات، وجعل النظم الضريبية أكثر تصاعدية، ودعم الشمول.

ومن شأن تحديث الإدارات المعنية بالإيرادات وتحسين كفاءتها أن يعززا الإنفاذ والامتثال. ويستخدم كثير من البلدان بالفعل نظم تقديم الإقرارات الضريبية إلكترونيا، منها الجزائر وأذربيجان وباكستان وإيران. ومع هذا، يتعين بذل مزيد من الجهود لتحقيق أهداف عدة منها ترشيد الهياكل التنظيمية، وتحسين إجراءات العمل والاستفادة من وسائل التكنولوجيا الرقمية. وسيكون من المفيد أيضا توثيق التعاون الدولي لتحسين تبادل المعلومات عبر مناطق الاختصاص الضريبي المختلفة.

ويمكن كذلك دعم تعبئة الإيرادات من خلال الإصلاحات التي تهدف إلى الحد من النشاط غير الرسمي والتشجيع على تنويع النشاط الاقتصادي، وهو ما يتضمن الإجراءات التي اتُخِذَت في مصر وتونس لتثبيط استخدام النقد وزيادة الشمول المالي. ومن شأن اتخاذ الإجراءات اللازمة لمكافحة الفساد وتحسين الحوكمة وتعزيز الشفافية أن يعزز الثقة في النظام الضريبي. وقد بذلت جورجيا وطاجيكستان جهودا لمكافحة الفساد عن طريق تبسيط النظم والإجراءات الضريبية مما ساعد على زيادة نسب الضرائب إلى إجمالي الناتج المحلي بمقدار الضعف على مدار العشرين عاما الماضية.

والتتابع الصحيح للإصلاحات مهم في كل البلدان، وبصفة خاصة في الاقتصادات منخفضة الدخل والدول الهشة والمتأثرة بالصراعات في المنطقة.

ويمكن تحقيق تحسينات دائمة لتعبئة مزيد من الإيرادات من خلال الالتزام السياسي المتواصل والوضوح في التواصل وتوخي الدقة في تصميم الإصلاحات وتنفيذها. وبالبناء على هذه الجهود، تستطيع البلدان في الشرق الأوسط وآسيا الوسطى أن تستخدم السياسة الضريبية لتعزيز التنمية الاقتصادية وزيادة الإدماج الاجتماعي والحد من انعدام الأمن الغذائي ومواصلة السير على درب خطه الفراعنة منذ أمد بعيد.

*****

الدكتور جهاد أزعور مدير إدارة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى في صندوق النقد الدولي، حيث يشرف على عمل الصندوق في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وآسيا الوسطى والقوقاز. وقد شغل الدكتور أزعور منصب وزير المال اللبناني من عام 2005 وحتى 2008، وهي الفترة التي قام خلالها بتنسيق تنفيذ مبادرات مهمة للإصلاح، منها تحديث النظم الضريبية والجمركية اللبنانية. وفي الفترة السابقة على عمله وزيرا للمال ثم الفترة اللاحقة لها، تولى عدة مناصب في القطاع الخاص، منها عمله في شركة ماكينزي وبوز آند كومباني حيث شغل منصب نائب الرئيس والمستشار التنفيذي الأول. وقبل انضمامه إلى الصندوق في شهر مارس/آذار عام 2017، كان مديرا شريكا في شركة إنفنتيس بارتنرز للاستشارات والاستثمار. وهو حاصل على درجة الدكتوراه في العلوم المالية الدولية ودرجة علمية عليا في الاقتصاد الدولي والعلوم المالية، وكلاهما من معهد الدراسات السياسية في باريس. وبالإضافة إلى ذلك، فقد قام بأبحاث حول الاقتصادات الصاعدة واندماجها في الاقتصاد العالمي حين كان زميلا لما بعد الدكتوراه في جامعة هارفارد. وللدكتور أزعور عدة كتب ومقالات منشورة حول القضايا الاقتصادية والمالية، كما أن لديه خبرة طويلة في التدريس.

 بريسيلا ماتورا تعمل اقتصاديا أول في إدارة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى، وانضمت إلى الصندوق عام 2009، وكان قد سبق لها العمل في معهد تنمية القدرات وإدارة شؤون المالية العامة وإدارة نصف الكرة الغربي في الصندوق. وحصلت السيدة ماتورا على درجة الدكتوراه في الاقتصاد من جامعة أكسفورد، وتركز بحوثها على السياسة والمؤسسات المالية وتنمية الاقتصاديات الكلية للتنمية.

جنيفياف فيردييه رئيس قسم في إدارة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى. وقبل انضمامها إلى الصندوق، كانت أستاذا مساعدا للاقتصاد في جامعة تكساس إيه آند إم، وسبق لها العمل اقتصادية في إدارة البحوث في بنك كندا المركزي. وحصلت السيدة فيردييه على درجة الدكتوراه من جامعة بريتيش كولومبيا، ولها حتى الآن عدد من الأعمال والدراسات المنشورة في مطبوعات البحوث والسياسات الصادرة عن صندوق النقد الدولي وعدد من الكتب والنشرات الخاضعة لمراجعات النظراء. وتغطي أعمالها مجموعة واسعة من قضايا الاقتصاد الكلي المرتبطة بكفاءة الإنفاق العام والاستثمار العام وإعادة هيكلة الدين السيادي والنمو الاقتصادي والتطور المالي.