Credit: Adobe Stock and IMF

الاقتصاد العالمي يواصل التباطوء وسط بوادر الصلابة وانفتاح الصين مجددا أمام العالم

بدأ الكفاح ضد التضخم يؤتي ثماره، ولكن يجب على البنوك المركزية أن تواصل جهودها.

ومن المتوقع أن يتباطأ الاقتصاد العالمي هذا العام، قبل أن يعاود مسيرة التعافي العام القادم. وسيظل النمو ضعيفا بالمعايير التاريخية، بينما الكفاح ضد التضخم وحرب روسيا في أوكرانيا يؤثران سلبا على النشاط الاقتصادي.

وبرغم هذه الرياح غير المواتية، فالآفاق أقل قتامة مما ورد في تنبؤاتنا في أكتوبر، وقد تكون هذه نقطة تحول، مع انتهاء المسار التنازلي للنمو وتراجع التضخم.

وقد أبدى النمو الاقتصادي صلابة مفاجئة في الربع الثالث من العام الماضي، في ظل قوة أسواق العمل، وقوة استهلاك الأسر المعيشية واستثمارات الأعمال، والتكيف مع أزمة الطاقة على نحو أفضل من المتوقع في أوروبا. وكذلك أبدت معدلات التضخم بعض الانخفاض، مع تراجع التدابير الكلية في معظم البلدان الآن – حتى وإن لم يكن التضخم الأساسي، الذي يستبعد أسعار الطاقة والغذاء الأكثر تقلبا، قد بلغ ذروته بعد في كثير من البلدان.

وفي مناطق أخرى، نجد أن انفتاح الصين مجددا أمام العالم بشكل مفاجئ مهد الطريق لسرعة انتعاش النشاط الاقتصادي. وقد تحسنت الأوضاع المالية العالمية مع بدء تراجع الضغوط التضخمية. وساهم ذلك، إلى جانب ضعف الدولار الأمريكي مقارنة بارتفاع مستواه في نوفمبر، في إعطاء متنفس بسيط للبلدان الصاعدة والنامية.

وبناء على ذلك، رفعنا تنبؤاتنا للنمو بصورة طفيفة في عامي 2022 و2023. وسوف يتباطأ النمو العالمي من 3,4% في 2022 إلى 2,9% في 2023 ثم يعود إلى الارتفاع ويبلغ 3,1% في 2024.

النمو العالمي الصين والهند سيكونان المحركين الرئيسيين للنمو هذا العام. 

وفي الاقتصادات المتقدمة، سيكون تباطؤ النشاط الاقتصادي أوضح، حيث يتراجع من 2,7% العام الماضي إلى 1,2% و1,4% هذا العام والعام القادم. ويُرجح تباطؤ النشاط في تسعة من الاقتصادات المتقدمة العشرة.

وسوف يتباطأ النمو في الولايات المتحدة إلى 1,4% في 2023 مع زيادات أسعار الفائدة التي يجريها الاحتياطي الفيدرالي وانتقال آثارها إلى الاقتصاد. وتنطوي الأوضاع في منطقة اليورو على مزيد من التحديات برغم بوادر الصلابة في مواجهة أزمة الطاقة، وفصل الشتاء المعتدل، والدعم السخي من المالية العامة. ونتوقع انتهاء المسار التنازلي للنمو مع بلوغه 0,7% هذا العام في ظل تشديد السياسة النقدية للبنك المركزي الأوروبي، ومواجهة صدمة سلبية في معدلات التبادل التجاري، بسبب ارتفاع أسعار واردات الطاقة في المنطقة.

وبالفعل، استقر النمو في مجموعة اقتصادات الأسواق الصاعدة والاقتصادات النامية عند أدنى مستوياته، ويُتوقع ارتفاعه بصورة طفيفة إلى 4% و4,2% هذا العام والعام القادم.

وكانت القيود المفروضة وموجات تفشي فيروس كوفيد-19 في الصين قد أدت إلى إضعاف النشاط الاقتصادي العام الماضي. والآن، مع إعادة فتح الاقتصاد، نرى انتعاش النمو وبلوغه 5,2% هذا العام مع تعافي النشاط وحرية التنقل.

ولا تزال الهند نقطة مضيئة. فهي، إلى جانب الصين، ستسهم بنصف النمو العالمي هذا العام، مقابل مساهمة لا تزيد عن العُشر من الولايات المتحدة ومنطقة اليورو معا. ويُتوقع تراجع التضخم العالمي هذا العام، ولكن حتى مع حلول عام 2024، سيظل المتوسط السنوي المتوقع لمعدلات التضخم الكلي والأساسي أعلى من المستويات التي كانت عليها قبل الجائحة في ما يزيد على 80% من البلدان.

التضخم التضخم الكلي آخذ في الهبوط في كثير من البلدان، بينما رُفِعَت توقعات التضخم الأساسي. 

ولا تزال المخاطر المحيطة بالآفاق مائلة إلى الجانب السلبي، حتى مع تراجع المخاطر المعاكسة منذ أكتوبر وزيادة أهمية بعض العوامل الإيجابية.

التطورات السلبية:

التطورات الإيجابية:

أولويات السياسات

إن أنباء التضخم تبعث على التفاؤل، ولكن كسب المعركة لا يزال بعيد المنال. فقد بدأ التأثير الموجِع للسياسة النقدية، مع تباطؤ عمليات إنشاء مساكن جديدة في كثير من البلدان. ومع هذا، فإن أسعار الفائدة المعدلة لاستبعاد أثر التضخم لا تزال منخفضة أو حتى سالبة في منطقة اليورو واقتصادات أخرى، وهناك أجواء كثيفة من عدم اليقين المحيط بسرعة تشديد السياسة النقدية وفعاليته في كثير من البلدان.

أسعار الفائدة الحقيقية لا تزال أسعار الفائدة الأساسية الحقيقية منخفضة في بعض البلدان، وسالبة في منطقة اليورو. (سعر الفائدة الأساسي الاسمي ناقص تضخم مؤشر أسعار المستهلكين لثلاث سنوات مقدما، %) 

وحيث تظل الضغوط التضخمية بالغة الارتفاع، يتعين على البنوك المركزية زيادة أسعار الفائدة الأساسية الحقيقية إلى مستويات تتجاوز السعر المحايد وإبقائها على هذا النحو إلى حين اتخاذ التضخم الأساسي مسارا تنازليا قاطعا. أما التيسير في وقت سابق جدا لأوانه فينطوي على مخاطر من إضاعة كل المكاسب التي تحققت إلى الآن.

ولا تزال البيئة المالية هشة، ولا سيما مع شروع البنوك المركزية في اتخاذ مسار غير مطروق نحو تقليص ميزانياتها العمومية. وسيكون من المهم مراقبة تراكم المخاطر ومعالجة مواطن الضعف، وخاصة في قطاع الإسكان أو في القطاع المالي غير المصرفي الأقل تنظيما. وينبغي أن تسمح اقتصادات الأسواق الصاعدة بتعديل عملاتها قدر الإمكان في مواجهة ضيق الأوضاع النقدية العالمية. ومن شأن اتخاذ تدابير للتدخل في سوق الصرف أو تتعلق بتدفق رؤوس الأموال، حيث يكون ملائما، أن يساعد على تمهيد التقلب المفرط أو غير المرتبط بالأساسيات الاقتصادية.

وقد تحرك كثير من البلدان في مواجهة أزمة تكلفة المعيشة بدعم السكان والشركات من خلال سياسات واسعة النطاق وغير موجهة ساعدت على تخفيف وطأة الصدمة. ولكن ثبت أن كثيرا من هذه الإجراءات مكلف وغير مستدام بصورة متزايدة. وبدلا من ذلك، ينبغي للبلدان أن تعتمد تدابير موجهة تحافظ على الحيز المالي، وتسمح بارتفاع أسعار الطاقة لتخفيض الطلب عليها، وتتجنب التنشيط المفرط للاقتصاد.  

وللسياسات على جانب العرض دور كذلك. فيمكنها أن تساعد على التخلص من القيود الرئيسية على النمو، وتحسين الصلابة، وتخفيف ضغوط الأسعار، وتعزيز التحول الأخضر. ومن شأنها المساعدة على تخفيف خسائر الناتج المتراكمة منذ بداية الجائحة، وخاصة في الاقتصادات الصاعدة والاقتصادات منخفضة الدخل.

الندوب منذ الجائحة ازدادت خسائر الناتج منذ تنبؤات العام الماضي. 

وأخيرا، فإن قوى التشرذم الجغرافي–الاقتصادي آخذة في التزايد. ويجب علينا أن ندعم التعاون متعدد الأطراف ولا سيما في المجالات الأساسية ذات الاهتمام المشترك مثل التجارة الدولية، وتوسع شبكة الأمان المالي العالمية، واستعدادات الصحة العامة، والتحول المناخي. 

ولم تزدد آفاق الاقتصاد العالمي سوءا هذه المرة. وتلك أنباء طيبة وإن كانت غير كافية. فالسير على طريق العودة إلى التعافي الكامل، مع تحقيق النمو المستدام واستقرار الأسعار والتقدم للجميع، قد بدأت لتوه.

الندوب منذ الجائحة ازدادت خسائر الناتج منذ تنبؤات العام الماضي.

مدونات حديثة