أصبح انعدام المساواة على مدار العقد الماضي من التحديات الأكثر تعقيدا وإرباكا في الاقتصاد العالمي.
عدم المساواة في الفرص*؛ وعدم المساواة عبر الأجيال؛ وعدم المساواة بين المرأة* والرجل؛ وبلا شك، عدم المساواة في الدخل والثروة*. كل هذه الأشكال من عدم المساواة موجودة بالفعل في مجتمعاتنا كما أنها – للأسف – آخذة في النمو في كثير من البلدان.
لكن الخبر السار هو أننا نملك من الأدوات ما يمكننا من معالجة هذه القضايا، بشرط أن تتوفر لدينا الإرادة. ورغم المصاعب السياسية في تنفيذ الإصلاحات فإن مردودها على النمو والإنتاجية جدير بالعناء.
إن معالجة عدم المساواة تستدعي إعادة نظر. أولا، ما يتعلق بسياسات المالية العامة والضرائب التصاعدية.
تشكل الضرائب التصاعدية عنصرا رئيسيا في سياسة المالية العامة الفعالة. وأبحاثنا تشير إلى إمكانية رفع معدلات الضريبة الحدية عند قمة هيكل توزيع الدخل، دون أن يأتي ذلك على حساب النمو الاقتصادي.
كذلك فإن الاستعانة بالأدوات الرقمية في التحصيل الضريبي يمكن أن تدخل في إطار الاستراتيجية الشاملة لتعزيز الإيرادات المحلية. فالحد من الفساد يمكنه تحسين التحصيل الضريبي وزيادة الثقة في الحكومة. وجدير بالذكر، أن هذه الاستراتيجيات يمكنها تأمين الموارد اللازمة للاستثمار في زيادة الفرص المتاحة للمجتمعات والأفراد الذين يُترَكون وراء الركب.
ويمثل إعداد الميزانية المراعية للنوع الاجتماعي* أداة ثمينة أخرى من أدوات المالية العامة في السعي للحد من عدم المساواة. وإذ تدرك بلدان كثيرة ضرورة تحقيق المساواة بين الجنسين وتمكين المرأة، فإن الحكومات بوسعها استخدام الميزانية المراعية للنوع الاجتماعي لتنظيم الإنفاق والضرائب على النحو الذي يحقق مزيدا من التقدم في المساواة بين الجنسين – مما يزيد من مشاركة المرأة في قوة العمل، ومن ثم تعزيز النمو والاستقرار.
ثانيا، تتزايد أهمية سياسات الإنفاق الاجتماعي في معالجة عدم المساواة. فلدى تطبيقها على النحو الصحيح يمكن أن تؤدي دورا رئيسيا في التخفيف من حدة عدم المساواة في الدخل وما لذلك من آثار ضارة على المساواة في الفرص*والتماسك الاجتماعي.
فالتعليم، على سبيل المثال، يعد الشباب ليصبحوا مواطنين منتجين يساهمون في نهضة مجتمعاتهم. والرعاية الصحية تسهم في إنقاذ الأرواح كما يمكنها تحسين جودة الحياة. أما برامج التقاعد فتكفل الحفاظ على كرامة كبار السن عند التقدم في العمر.
وتمثل القدرة على زيادة الإنفاق الاجتماعي مطلبا ضروريا أيضا لتحقيق أهداف التنمية المستدامة. وتوضح دراسة جديدة أجراها الصندوق* أن هذه الزيادة اللازمة تختلف إلى حد كبير بين مختلف البلدان.
ثالثا، إجراء إصلاحات في هيكل الاقتصاد يمكن أن يوفر دعما إضافيا لجهود الحد من عدم المساواة وذلك بتخفيض تكاليف التكيّف، وتقليص التفاوتات بين الأقاليم، وتأهيل العمالة لشغل الأعداد المتزايدة من الوظائف المراعية للبيئة.
على مدار العقد الماضي، أصبحت جهود الصندوق لمعالجة عدم المساواة ضمن جهودنا في مجالات الرقابة والإقراض والبحوث وبناء القدرات، وسيستمر هذا الوضع في العقد القادم.
وتمثل استراتيجية مشاركة الصندوق في قضايا الإنفاق الاجتماعي حجر الزاوية في منهجنا لمعالجة قضايا الإدماج الاقتصادي.
وتنطلق مشاركاتنا في جهود البلدان من افتراض أن الإنفاق الاجتماعي ينبغي أن يكون كافيا، مع ضرورة أن يكون كفؤا وممولا على أساس مستدام في نفس الوقت. وهذه ليست مجرد معايير للقياس، بل إنها مبادئ إرشادية ترتكز عليها مشورتنا بشأن السياسات.
وعلى سبيل المثال، إذا لم يكن الإنفاق الاجتماعي كافيا لتحقيق أهداف التنمية المستدامة أو توفير الحماية لشريحة كبيرة من الأسر الفقيرة ومحدودة الدخل، فلا بد عندئذ من زيادته.
وبالمثل، فإن تغير الخصائص الديمغرافية سيضع قضايا استدامة أوضاع المالية العامة في صدارة المناقشات الدائرة حول الإنفاق الاجتماعي، بما في ذلك الإنفاق على الصحة ومعاشات التقاعد.
والأهم من ذلك، أن تخفيف آثار التكيف السلبية على الفقراء ومحدودي الدخل يمثل هدفا رئيسيا في الوقت الراهن، وسيظل كذلك فيما بعد.
الأمثلة الأخيرة على مشاركاتنا في جهود البلدان بشأن الإنفاق الاجتماعي تتيح دروسا قيمة:
وجدير بالذكر، أننا ندرك عدم جدوى الاحتفاظ بتقرير منمق آخر في الأدراج المغلقة. لذا نعمل على تنفيذ استراتيجيتنا بشأن قضايا الإنفاق الاجتماعي بدمجها في صميم عملنا حتى تكون مشاركاتنا مصممة على نحو أنسب لتفضيلات كل بلد عضو وما يمر به من ظروف.
سواء كان الأمر يتعلق بمعالجة عدم المساواة أو المشاركة في قضايا الإنفاق الاجتماعي، فإننا نعلم أنه ليس بوسعنا تحقيق ذلك بمفردنا.
ونحن نرى أن هذه شراكة بين المنظمات الدولية والدوائر الأكاديمية والسلطات الوطنية والمجتمع المدني والقطاع الخاص للعمل معا من أجل تعزيز سياسات الإنفاق الاجتماعي ووضع ركيزة أساسية لتحقيق أهداف التنمية المستدامة.
وبطبيعة الحال، لا يوجد حل واحد يناسب الجميع عندما يتعلق الأمر ببرامج الإنفاق الاجتماعي. فكل بلد له تفضيلاته المختلفة، ويواجه تحدياته المختلفة، ولديه تطلعات مختلفة. ولكن العمل المشترك يمكننا على الأرجح من طرح الأسئلة الصحيحة، وبالتالي التوصل إلى الإجابات الصحيحة.
*بالانجليزية