من أجل عولمة في صالح الجميع

13 سبتمبر 2016

صباح الخير.

شكرا لتقديمك الكريم، جون، وشكرا بيل روبسون ومعهد سي. دي. هاو على دعوتكم لي وعلى استضافة هذه الفعالية الرائعة اليوم.

وأنا ممتنة لهذه الفرصة التي أتيحت لي كي ألقي محاضرة تكريما لسيلفيا أوستري، الاقتصادية وصانعة السياسات الكندية، والأهم من ذلك كله، السيدة الرائدة التي اخترقت العالم المغلق للدوائر المالية العليا وكواليس صنع القرار والذي لا يزال في الغالب حِكرا على الرجال.

لقد نجحت الدكتورة أوستري، الموجودة اليوم بين الحضور، في أن تكون قدوة على أعلى المستويات، ليس فقط للاقتصاديين، وإنما لكل من يؤمن بأن الخدمة العامة ليست مجرد وظيفة.

سيلفيا، أود أن أبدأ تعليقاتي اليوم ببعض كلماتك المهمة، فقد قلتِ ذات مرة: "إن لدينا قيمة ثمينة واحدة، وهي الناس". هذه الرسالة تعكس التزام كندا بالاحتوائية والانفتاح، ولكنها تعبر أيضا عن جوهر عملية صنع السياسات، وهي أمور عميقة الارتباط كما سأوضح في كلمتي اليوم.

ويمثل الانفتاح والتعاون الدولي جزءا لا يتجزأ من بصمة كندا الجينية. فبلدكم كان ولا يزال من أقوى شركاء الصندوق، وله تأثير إيجابي هائل على مؤسستنا والبلدان الأعضاء فيها.

وبفضل قدرة البلدان على السمو فوق المصالح الذاتية الضيقة، تم تحقيق تقدم اقتصادي غير مسبوق على مدار السبعين عاما الماضية.

ففي مختلف بلدان العالم، تراجعت الصراعات واستؤصلت الأمراض وخُفِّض الفقر وارتفع العمر المتوقع. وفي صياغة أخرى لكلمات جون مينارد كينز، أحد المؤسسين الأوائل لصندوق النقد الدولي، أقول إن "الأخوة الإنسانية أصبحت أكثر من مجرد شعار."

ولكن سرعة التقدم لم تكن متساوية في كل الحالات. ولا شك أن التحول الذي شهدته اقتصاداتنا جلب معه اضطرابات ومشاق أيضا.

فالتغير الهيكلي الذي أحدثته العولمة والتغير التكنولوجي ترك أثرا عميقا في بعض القطاعات والصناعات – بينما أفاد المجتمع ككل. والمخاوف بشأن الأجور والوظائف وآفاق المستقبل هي مخاوف حقيقية وملحة بالنسبة لمن لا يملكون الأدوات المناسبة للنجاح في هذا العالم الجديد.

وليست هذه هي المرة الأولى التي نواجه فيها هذا التحدي. فمن عصر البرونز إلى زمن الثورة الصناعية وما بعدها، تعامل أجدادنا مع انتشار التكنولوجيات الجديدة والحاجة إلى التكيف معها. والجدل حول التجارة والحصول على السلع الأجنبية قديم قدم المجتمع ذاته.

ولكن التاريخ يخبرنا بوضوح بأن غلق الحدود أو زيادة الحمائية ليس هو الطريق الصحيح. فكثير من البلدان جرب السير فيه وكثير من البلدان مني بالفشل. إنما نحتاج إلى اتباع سياسات تنشر منافع الانفتاح والاندماج وتخفف من آثارهما الجانبية.

نحتاج إلى جعل العولمة في صالح الجميع. وهذا هو محور كلمتي اليوم.

1- العولمة – حساب ختامي

واسمحوا لي أن أبدا بالحديث عن منافع الاندماج – أي تجميع التجارة والهجرة والتدفقات الرأسمالية والتكنولوجيا. وقد حقق هذا الاندماج منافع ملموسة – حقيقية – لمعظم الناس ومعظم البلدان.

المنافع الحقيقية

وكانت الاقتصادات الصاعدة والنامية أكثر البلدان استفادة من الانفتاح الاقتصادي. وطبقا للبنك الدولي، ساعدت التجارة على تخفيض نسبة سكان العالم الذين يعيشون في فقر مدقع إلى النصف(1990-2010).

ففي الصين، على سبيل المثال، حدث انخفاض قياسي في معدل الفقر المدقع – من 36% في نهاية تسعينات القرن الماضي إلى 6% في 2011 [1] . وهناك مثال عظيم آخر هو فييت نام، التي تحولت – في غضون جيل واحد – من أفقر بلد في العالم إلى بلد متوسط الدخل – مما مكنها من زيادة الاستثمارات في الصحة والتعليم.

واليوم أصبح باستطاعة فييت نام أن تفخر بتفوقها على معظم نظرائها الأكثر ثراءً في العلوم الأساسية والرياضيات ومهارات القراءة. ففي آخر مسح أجرته "منظمة التعاون والتنمية في الميدان الاقتصادي" (OECD) للطلاب في سن 15 عاما، حصلت على درجة كلية أعلى مما حصلت عليه فرنسا وألمانيا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة. [2]

ولكن الاندماج الاقتصادي أدى إلى رفع مستويات المعيشة في الاقتصادات المتقدمة أيضا – بسبب زيادة الكفاءة في توزيع رأس المال، وارتفاع الإنتاجية، وتخفيض الأسعار للمستهلكين. وتشير الأبحاث المعنية بالمزايا الاستهلاكية إلى أن التجارة رفعت الدخول الحقيقية للأسرة العادية بمقدار الضِعف تقريبا. وبالنسبة لأفقر الأسر، حققت التجارة زيادة في دخولها الحقيقية بنسبة تجاوزت150%. [3]

وإلى جانب ارتفاع الدخول، أضيفت ملايين الوظائف الجديدة بأجور معظمها أعلى نسبيا من بقية الوظائف. ففي الولايات المتحدة، على سبيل المثال، يكسب العمال في الصناعات كثيفة التصدير أكثر من الصناعات الأخرى بنسبة تصل إلى 15%. [4]

وفي الاتحاد الأوروبي، نجد أن أكثر من 30 مليون وظيفة – أي وظيفة من بين كل 7 وظائف – تعتمد على الصادرات إلى بقية أنحاء العالم. وفي كندا، تشكل التجارة الدولية ثلثي إجمالي الناتج المحلي.

وتعتبر حالة كندا مثالا لمزايا الهجرة أيضا. فمن خلال الترحيب بحوالي ربع مليون مهاجر سنويا – وفتح البيوت والقلوب للاجئين – يعمل الكنديون في نفس الوقت على دعم النمو، وتجديد القوى العاملة، وإكساب مجتمعهم مزيدا من الثراء والتنوع.

وكما قال الاقتصادي أمارتيا سن الفائز بجائزة نوبل، الاندماج الاقتصادي العالمي "أثرى العالم علميا وثقافيا، كما أفاد الكثيرين اقتصاديا". وكثير من الناس يتفقون مع هذا الرأي – ولكن القصة لا تتوقف عند هذا الحد.

الآثار الجانبية الحقيقية

فالأحداث التاريخية التي وقعت في مطلع تسعينات القرن الماضي – حين انضمت الصين والهند والبلدان الشيوعية السابقة إلى النظام التجاري العالمي – خلفت آثارا بعيدة المدى. ذلك أن حجم القوى العاملة تضاعف بالفعل، مما فرض ضغوطا خافضة للأجور، وخاصة بالنسبة للعمالة الأقل مهارة في الاقتصادات المتقدمة.

وفي الولايات المتحدة، كانت المنافسة من البلدان ذات العمالة منخفضة التكلفة هي أحد العوامل التي ساهمت في انخفاض استخدام العمالة في قطاع الصناعة التحويلية، إلى جانب موجة التحول إلى التشغيل الآلي. [5] ولم ينتشر هذا التوجه بشكل متوازن في كل مناحي الاقتصاد، بل تركز في بعض أسواق العمل المحلية التي واجهت آثارا عميقة طويلة الأمد من جراء المنافسة الخارجية. [6]

وقد استهان كثيرون بتأثير عولمة رأس المال أيضا. فبين عامي 1980 و 2007، زادت التدفقات الرأسمالية العالمية بأكثر من 25 ضِعفا، مقارنة بتوسع قدره ثمانية أضعاف في التجارة العالمية. وكان ذلك ركيزة للاستثمار، وخاصة في الاقتصادات الصاعدة. ولكنه فتح الباب أيضا أمام العدوى المالية والمخاوف المتعلقة باستقرار النظم المالية.

وأخيرا، تزايَد عدم المساواة في توزيع الثروة والدخل والفرص في كثير من البلدان، فأضاف إلى موجة السخط الكبيرة -وخاصة في العالم الصناعي – شعورا متناميا لدى بعض المواطنين بأنهم "فاقدي السيطرة"، بأن النظام أصبح معاديا لهم بصورة ما.

وقد أصبح يُنظَر إلى المؤسسات المالية على أنها لا تخضع لمساءلة المجتمع. فالنظم الضريبية تسمح للشركات متعددة الجنسيات والأفراد الأثرياء بالإحجام عن دفع ما يعتبره الكثيرون حصة عادلة. ولا يزال الفساد عميق الجذور. وهناك تحدٍ يتمثل في تدفقات الهجرة الخارجة عن السيطرة، والتي تساهم في إثارة المخاوف الاقتصادية والثقافية.

ومن الضروري معالجة هذه المخاوف. فكيف يمكن الحفاظ على ثمار العولمة وتوزيعها على نطاق أوسع؟ ما الذي تستطيع الحكومات القيام به؟

2- ما الذي تستطيع الحكومات القيام به؟

أول بند على جدول الأعمال هو أن تهيئ الحكومات بيئة إيجابية للنمو، وهو ما يحقق دخلا إضافيا يمكن توزيعه، كما يتيح حيزا للمبادرات على صعيد السياسات.

وللأسف فقد ظل النمو شديد البطء لمدة بالغة الطول؛ إذ يرجح أن يكون 2016 هو العام الخامس على التوالي الذي يبلغ فيه نمو إجمالي الناتج المحلي العالمي أقل من 3.7%، أي أقل من المتوسط في نحو عقدين سابقين على الأزمة المالية لعام 2008.

وقد كان النمو غير متوازن أيضا: ففي الاقتصادات المتقدمة الكبرى، زادت شريحة الدخول التي تمثل أعلى 10% من الدخول بنسبة 40% في العقدين الماضيين، بينما كانت الزيادة محدودة في الشريحة الدنيا. [7] وإذا كان لنا أن نبني التأييد المطلوب للاقتصادات المفتوحة والمجتمعات المفتوحة، يجب نقوم بعمل أفضل.

كيف؟ نحن نعلم أن الإصلاحات والسياسات الاقتصادية الكلية السليمة ترفع الإنتاجية والنمو الممكن. ونعلم أيضا أن هذه السياسات والإصلاحات ينبغي تصميمها بما يحقق أفضل النتائج الممكنة.

فبالنسبة لدعم الطلب ، على سبيل المثال، كانت البنوك هي من تحمل العبء الأكبر في السنوات الأخيرة، وحان الوقت لأن تساهم سياسة المالية العامة بدور أكبر في البلدان التي تمتلك حيزا إضافيا للإنفاق. والواقع أن كندا تقود الطريق في هذا المجال بتعزيز استثماراتها في البنية التحتية وزيادة تحويلاتها إلى الأسر التي تعول أطفالا.

وبالنسبة للإصلاحات الاقتصادية، ينبغي أن يتخذ صناع السياسات الخطوات الصحيحة بالتسلسل الصحيح – وأن يقوموا بذلك الآن. فبلدان منطقة اليورو، على سبيل المثال، تستطيع رفع الإنتاجية بتسريع وتيرة الإصلاحات الهيكلية – أي تخفيض الحواجز التي تعوق الدخول في قطاع الخدمات، بما في ذلك الخدمات المهنية، وتعزيز البحوث والتطوير.

ولكن تحقيق أقصى المنافع الممكنة من هذه الإصلاحات الهيكلية يتطلب اقترانها بسياسات مالية ونقدية سليمة – أي اتباع منهج ثلاثي المحاور. ففي منتصف تسعينات القرن الماضي، على سبيل المثال، جمعت هولندا بين تخفيض ضرائب العمل وإصلاحات سوقي العمل والمنتجات – مما أثمر فترة من النمو القوي.

والآن، بالطبع، تسير الحكومة الكندية في نفس مسار الإصلاحات المالية والاقتصادية الجريئة.

وقد أوضَحْت مبررات هذا المنهج ثلاثي المحاور لبلداننا الأعضاء وللقادة في قمة مجموعة العشرين مؤخرا – وآمل أن يسير كثير من البلدان في المسار العالمي الذي يقوده رئيس الوزراء ترودو. وكلما زاد عدد البلدان المؤيدة لهذا المسار، زادت الثمار المشتركة للنمو.

مزيد من الدعم والعدالة

ولكن كيفية جعل النمو أكثر احتوائية ونفعا للعمالة في كل قطاعات الاقتصاد هي مسألة يصعب تحديدها في رسالة واضحة مماثلة بشأن السياسات. إنه تحد مختلف، لأنه يتعلق بالحوافز الاقتصادية، ولكنه ينطوي أيضا على عوامل اجتماعية وإقليمية، وغالبا عرقية وثقافية، يصعب تخطيها – ومن ثم يتطلب حلولا لكل بلد على حدة.

واسمحوا لي أن أتحدث عن السياسات الاقتصادية التي ينطوي عليها ذلك، دون أي تخفيف زائف من ثقل المهمة المطلوبة. وقد أوصى الصندوق بمزيج من أدوات السياسة التالية لبلدانه الأعضاء على مدار الأعوام الماضية:

أولا – تعزيز الدعم المباشر للعمالة محدودة المهارات. ويعني هذا زيادة الاستثمارات العامة في التعليم، والتدريب التحويلي، وتيسير التنقل المهني والجغرافي.

  • فعلى سبيل المثال، غالبا ما يشار إلى النظام الألماني للتلمذة المهنية باعتباره نموذجا فتح أمام أجيال من الشباب الألماني بابا للعمل الذي يتطلب مهارات دون الحاجة إلى تعليم جامعي.

  • وبالمثل، من شأن التوسع في شراكات التدريب المهني بين الصناعات والمؤسسات التعليمية أن يساعد في إعادة تنظيم سوق العمل ودعم توظيف العمالة في بلدان مثل كندا وفرنسا والمملكة المتحدة.

ثانيا – تقوية شبكات الأمان الاجتماعي عن طريق توفير مستوى ملائم من تأمينات البطالة، والرعاية الصحية، ومعاشات التقاعد القابلة للنقل – وعن طريق تعزيز سياسات الضرائب والدخل.

  • ففي الولايات المتحدة على سبيل المثال، يمكن تخفيف أثر الاضطرابات في سوق العمل عن طريق زيادة الحد الأدنى الفيدرالي للأجور والتوسع في الخصوم الضريبية على الدخل المكتسب.

  • وهناك مثال آخر هو بلدان الشمال الأوروبي، حيث يحصل العمال على حماية وظيفية محدودة ولكنهم يستفيدون من تأمينات البطالة السخية التي تتطلب من الباحثين عن عمل أن يعثروا على وظائف جديدة. وهذا النموذج يجعل سوق العمل أكثر مرونة – وهو أمر جيد للنمو – مع حماية مصالح العاملين. [8]

ثالثا – تعزيز العدالة الاقتصادية لإعادة بناء الثقة وحشد التأييد للإصلاحات.

  • ويعني هذا، مثلاً، معالجة الافتقار إلى المنافسة في المجالات الأساسية. ولنتذكر هنا الصناعات الرئيسية – من الصيرفة إلى المنتجات الصيدلانية إلى وسائل التواصل الاجتماعي – حيث تواجه بعض الاقتصادات المتقدمة زيادات في تركز السوق. [9]

  • وتعزيز العدالة يعني أيضا محاربة التهرب الضريبي ومنع تحويل أرباح الأعمال التجارية بشكل زائف إلى أماكن تفرض ضرائب منخفضة. ويعمل الصندوق بشكل مكثف في هذا الخصوص، وغالبا ما يكون هذا العمل بالتعاون الوثيق مع "منظمة التعاون والتنمية في الميدان الاقتصادي" (OECD)، والأمم المتحدة، والبنك الدولي.

ويمكن أن تساعد هذه الإجراءات على خلق دائرة من التأثيرات المرتدة الإيجابية، فيؤدي النمو الأقوى والأكثر احتوائية إلى الحد من عدم المساواة الاقتصادية وزيادة الدعم لمزيد من الإصلاحات والانفتاح.

ولكن كما قلت آنفا، إن هذه السياسات لا تكفي – فحسب الموقف في كل بلد، يجب أن تصاحبها خطوات لتيسير المساواة في الفرص من خلال التعليم والرعاية الصحية، والحد من التمييز على أساس العرق أو نوع الجنس، وزيادة سهولة تنقل العمالة، وذلك على سبيل المثال لا الحصر.

3- توثيق التعاون العالمي

وآتي إلى نقطتي الأخيرة.

فقد يكون أهم الدروس المستخلصة من تجربة السبعين عاما الماضية فيما يتصل بالسياسات هو أن البلدان والحكومات يمكن أن تقوم بالكثير لتعزيز الرخاء الاقتصادي، ولكنها لا تستطيع إنجازه بمفردها.

فكما قال مارتن لوثر كينغ ذات مرة: "نحن محصورون في شبكة محكمة من العلاقات المتبادلة، مقيدون في رداء مصيري واحد. وكل ما يؤثر في أي منا بصورة مباشرة، يؤثر في الجميع بشكل غير مباشر".

إنعاش التجارة

ولا يوجد مجال تتداخل فيه القضايا الاقتصادية أكثر مما تتداخل في المجال التجاري.

فطوال العقدين السابقين على فترة الألفينات، كانت التجارة العالمية تحقق نموا منتظما بمعدل 7%، أي ضِعف معدل نمو الاقتصاد العالمي. غير أن نمو التجارة اليوم أصبح أقل من نمو الاقتصاد العالمي – حيث يبلغ 2% تقريبا. [10]

وبالإضافة إلى ذلك، هناك خطر متنام يتمثل في وعود الساسة الساعين للمناصب بأن "يتعاملوا بشدة" مع شركاء التجارة الخارجية بإخضاعهم لتعريفات جمركية عقابية أو غيرها من قيود التجارة.

وأنا أشعر بقلق عميق إزاء هذا الخطر – ليس فقط لأنني كنت وزيرة للتجارة، ولكن لأن التجارة تحتل موقعا محوريا في عمل الصندوق منذ أكثر من سبعين عاما. ولم يأت ذلك من فراغ. فكلما قويت قاطرة التجارة زادت تنافسية الصناعات وتوافرت لديها حوافز أكبر للابتكار. ويعني هذا نقل الابتكار التكنولوجي بطرق أقل تكلفة للمستهلكين والشركات.

ولتوضيح المنافع التي تعود على المستهلك، قام أحد المحللين مؤخرا بإجراء مقارنة بين المنتجات المدرجة في طبعة 1971 من كتالوغ "سيرز-روباك" والبضائع المماثلة المعروضة حاليا. وخلص هذا المحلل إلى أن المنتجات المعروضة على صفحات الكتالوغ معظمها تقريبا صنع في الولايات المتحدة الأمريكية، وأنها، بعد احتساب التضخم، أرخص بكثير من مثيلاتها اليوم.

فعلى سبيل المثال، هناك مكيف هواء ثلاثي السرعات معروض بمبلغ 139.95 دولارا أمريكيا، وهو ما يعادل 820 دولارا تقريبا بعد احتساب التضخم. واليوم، تعرض شركة فريجيدير [11] طرازا بنفس المواصفات سعره 139.99 دولارا أمريكيا. [12]

ونتيجة لذلك، يعمل العامل الأمريكي المتوسط حوالي 17 أسبوعا فقط ليعيش على مستوى الدخل السنوي الذي كان يحققه العامل في عام 1915. وقد رأينا تقدما مماثلا في كل بلدان العالم خلال العقود القليلة الماضية، وهذا هو مغزى التجارة؛ فهي تنشر ثمار الرخاء الاقتصادي الناتجة عن تحسن التكنولوجيا وتوزعها على جميع سكان العالم. [13]

الصفقات الجديدة

وعلى هذه الخلفية، كانت الأنباء الأخيرة عن المفاوضات التجارية متعددة الأطراف محبطة إلى حد كبير. ولكنني على يقين تام بأننا نستطيع إعادة بناء الزخم الدافع للإصلاحات التجارية إذا أوضحنا مزاياها على النحو الصحيح، وإذا طبقنا سياسات تحقق نموا أقوى وأكثر تكافؤا كما أوضحت آنفا.

وهناك أيضا قضايا جديدة جاء بها القرن الحادي والعشرين ويتعين النظر فيها - مثل التجارة في الخدمات. فهذا النوع من التجارة تعادل قيمته السنوية الحالية 5 تريليون دولارا أمريكيا بالفعل، أو ثلثي إجمالي الناتج المحلي العالمي. [14] غير أن هناك حواجز بالغة الارتفاع أمام التجارة في الخدمات – تعادل في حجمها فرض تعريفات جمركية بنسبة 30 إلى 50% تقريبا. [15]

ومن السبل الممكنة لمعالجة هذا الأمر أن ندفع نحو ما يسمى بالاتفاقيات التجارية "الجماعية" – أي الصفقات بين أعداد محدودة من البلدان ذات الفكر المتماثل التي توافق على العمل في إطار منظمة التجارة العالمية. ومثل هذه الصفقات يمكن أن يكون مفتوحا – بنفس الشروط – لكل أعضاء المنظمة.

وعلى نفس النسق، يمكن دعم التجارة في المنتجات الرقمية، مثلاً، من خلال إرساء حرية تدفق المعلومات التي يمكن أن تساعد على تحقيق الإمكانات الكاملة للتجارة الإلكترونية العالمية.

خاتمة

منذ خمسين عاما مضت، وصف الفيلسوف الكندي مارشال ماكلوهان كيف أدت التكنولوجيا إلى تحجيم العالم ليصبح "قرية عالمية".

وسيتم تقييم قدرة جيل اليوم من القادة وصناع السياسات تبعا لقدرتهم على خلق قرية عالمية على المستوى الإنساني – مكان يمكن أن يجد فيه الناس موطنا آمنا ومزدهرا لأنفسهم وأبنائهم.

والصندوق – بموارده التحليلية والمالية – سيواصل الدفع في هذا الاتجاه ويستمر في المساعدة لتحقيق هذا المسعى.

فالانفتاح والتعاون الاقتصاديين جزء من بصمتنا الجينية أيضا. ولهذا السبب بالذات أنشئ الصندوق.

شكرا جزيلا لكم.



[1] أرقام البنك الدولي: مؤشرات التنمية العالمية.

[2] برنامج منظمة التعاون والتنمية في الميدان الاقتصادي (OECD) لتقييم الطلاب دوليا: تقرير "PISA 2012 Results in Focus".

[3] Pablo Fagjelbaum and Amit Khandelwal, 2016, "Measuring the Unequal Gains from Trade," Quarterly Journal of Economics, 2016.

[4] تقرير مجلس المستشارين الاقتصاديين للرئيس الأمريكي (CEA):"The Economic Benefits of Trade", May 2015 .

[5] Justin R. Pierce and Peter K. Schott: "The Surprisingly Swift Decline of U.S. Manufacturing Employment", NBER Working Paper , December 2012.

[6] David Autor, David Dorn, Gordon Hanson: "The China Shock: Learning from Labor Market Adjustment to Large Changes in Trade", NBER Working Paper, February 2016.

[7] البلدان: كندا وألمانيا وإيطاليا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة. مذكرة الصندوق:"Global Prospects and Policy Challenges", G20 Leaders' Summit, September 4-5, 2016.

[8] لمزيد من المعلومات عن نموذج بلدان الشمال الأوروبي، راجعمذكرة الصندوق عن سياسات سوق العمل، و تقرير الصندوق عن الوظائف والنمو.

[9] Jason Furman: "Benefits of Competition and Indicators of Market Power", US President's Council of Economic Advisers Issue Brief, April 2016.

[10] صندوق النقد الدولي، قاعدة بيانات آفاق الاقتصاد العالمي.

[11] فريجيدير هي العلامة التجارية للأدوات المنزلية الاستهلاكية والتجارية الأمريكية التابعة لشركة إلكترولوكس الأوروبية الأم.

[12] Rob Cox: "Cuts like a knife", Reuters, Breaking Views Colum.

[13] Autor, 2014, as quoted in F&D, September 2016.

[14] رقم مأخوذ من منظمة التجارة العالمية.

[15] Fontagné and others, "Estimations of Tariff Equivalents for the Services Sectors," Paper, Centre d'Études Prospectives et d'Informations Internationales (CEPII), December 2011.

إدارة التواصل، صندوق النقد الدولي
قسم العلاقات الإعلامية

مسؤول الشؤون الصحفية:

هاتف:7100-623 202 1+بريد إلكتروني: MEDIA@IMF.org