دور الصندوق في قضايا الحوكمة – مراجعة المذكرة التوجيهية – اعتبارات مبدئية

ملخص واف

بناء على طلب اللجنة الدولية للشؤون النقدية والمالية، يأتي هذا التقرير كخطوة أولى نحو إعادة تقييم منهج الصندوق في التعامل مع قضايا الحوكمة، وهو ما تتضمن المذكرة التوجيهية لعام 1997 إرشادات بشأنه. وينظر التقرير في سجل الأداء المتعلق بتنفيذ هذه الإرشادات منذ آخر مراجعة أجريت في عام 2004، مع التركيز على كيفية التعامل مع قضايا الفساد.  

ويهدف التقرير في البداية إلى تقديم بعض التوضيح للتعاريف المعتمدة. فبينما تشير كلمة "الحوكمة" إلى المؤسسات والآليات والممارسات التي تمارَس السلطة الحكومية من خلالها، تكتسب كلمة "الفساد" مفهوما أكثر تحديدا إذ تشير إلى استغلال "الوظيفة العامة لتحقيق كسب خاص". ويمكن أن تكون الحوكمة ضعيفة في أي بلد (كأن تفتقر مؤسساته إلى الكفاءة) وإن لم يكن الفساد متفشيا فيه.   

وهناك إدراك متزايد – سواء داخل الصندوق أو خارجه – لإمكانية أن يؤدي الفساد النظامي إلى إضعاف قدرة الدولة على تحقيق نمو احتوائي قابل للاستمرار، وذلك بطرق متعددة. أولا، يؤدي هذا الفساد إلى إضعاف أداء المالية العامة بالتأثير على تحصيل الإيرادات وتشويه الإنفاق. ثانيا، يمكن أن يؤدي ما ينشأ عن الفساد من تكلفة وعدم يقين إلى إضعاف كل من الاستثمار المحلي والأجنبي. ثالثا، بسبب تشوهات الإنفاق التي يؤدي إليها الفساد (كإهمال الصحة والتعليم، على سبيل المثال) يمكن أن يتفاقم عدم المساواة. وأخيرا، حين يتوغل الفساد فيصبح نظاميا إلى حد كبير، يمكن أن يؤثر على الثقة في الدولة ويتسبب في اضطرابات وصراعات أهلية مع ما ينطوي عليه ذلك من عواقب مدمرة على الجانبين الإنساني والاقتصادي.  

وأي استراتيجية فعالة لمناهضة الفساد ينبغي أن تكون متعددة الأبعاد. والصندوق منخرط بالفعل منذ اعتماد المذكرة التوجيهية في عدد من المبادرات التي تساهم بدور مهم في معالجة هذه المشكلة – وإن لم تكن موجهة إلى الفساد بالتحديد. وعلى وجه الخصوص: 

  • تشجيع إصلاح التنظيم الاقتصادي: يمكن أن يتفشى الفساد إذا كان المسؤولون الرسميون هم القائمين بدور "حراس بوابة" القواعد التنظيمية والتصاريح والعقود. وبالتالي، فإن الإصلاح الاقتصادي الملائم وتبسيط القواعد التنظيمية – على النحو الذي يشجعه الصندوق في برامجه ورقابته ومساعداته الفنية – لا يقتصر أثرهما على رفع الكفاءة الاقتصادية، بل يمتد إلى معالجة الفساد. 
  • تعزيز الشفافية والمساءلة المالية: تمشيا مع الإرشاد الوارد في المذكرة التوجيهية، كرس الصندوق جهودا كبيرة لتشجيع شفافية المالية العامة، وذلك بطرق متعددة منها إعداد "ميثاق شفافية المالية العامة"، كما سانَد الجهود المبذولة لتعزيز الشفافية في الصناعات الاستخراجية حيث تشكل تصورات الفساد مصدرا للقلق بوجه خاص.  
  • برنامج الرقابة على القطاع المالي ومبادرة المعايير والمواثيق: تحقق هذه الأنشطة مزيدا من التركيز في مناقشات السياسة التي تجري مع السلطات في مجالات الفساد الأساسية، بما فيها الحوكمة والاستقلالية في القطاع المالي وفعالية إطار مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب. 

وتهدف الدراسة إلى تقييم مدى فعالية تناوُل الفساد في كل من أنشطة الرقابة والبرامج التي يدعمها الصندوق، مع مراعاة المعيار ذي الصلة المحدد في المذكرة التوجيهية – وهو أنه من المقدر أن يكون للفساد تأثير اقتصادي كلي كبير يتراوح بين المدى القصير والمتوسط. وللخروج بهذا التقييم، أجريت دراسة لمدى جودة تقارير خبراء الصندوق بشأن عينة من 40 بلدا عضوا للفترة من 2005 إلى 2016. وكوسيلة لتقييم مدى ملاءمة تناوُل قضايا الفساد وانعكاساته الاقتصادية الكلية، كان من الضروري تحديد "سيناريو أساسي للتوقعات" في كل بلد، وهو ما تم باستخدام مزيج من: (أ) مؤشرات أطراف ثالثة (أي أنها ليست من إنتاج الصندوق) تهدف إلى قياس الفساد وتصوراته، و (ب) دراسة التقارير المعروفة بجودتها التي تعدها أطراف ثالثة حول الفساد في البلدان المعنية. 

وبالنسبة لأهم الدروس المستخلصة من هذا التقييم:

بوجه عام، تخلص المراجعة إلى أن تقدما كبيرا قد تحقق في تنفيذ المذكرة التوجيهية. ذلك أن اتساع وعمق تغطية الفساد في كثير من التقارير القُطْرية ومساهمات الصندوق في أدبيات الفساد كلها يدلل على درجة عالية من الوعي بأن للفساد آثارا اقتصادية كلية كبيرة تشكل أهمية بالنسبة لمشاركة الصندوق في جهود البلدان الأعضاء. فعلى سبيل المثال، خلصت المراجعة إلى أن الصندوق كانت له مشاركة مستمرة ومكثفة بشكل عام في نصف البلدان التي حصلت على أعلى التقييمات فيما يتصل بالفساد. وفي الحالات التي قامت فيها هذه البلدان بتنفيذ برامج يدعمها الصندوق، ساهم ذلك في إضفاء مزيد من التحديد والعمق والتفصيل على مشاركة الصندوق.  

غير أن المراجعة تكشف أيضا أن المجال لا يزال متاحا لتعزيز هذه المشاركة. 

فتغطية الصندوق للفساد لم تكن متساوية في كل الأحوال، وحتى في الحالات التي تم تقييم الفساد فيها على أنه فساد نظامي، لم يكن تحليل أثره على الاقتصاد الكلي تحليلاً مفصلاً. وكانت تغطية قضايا الفساد موسعة في البرامج المدعمة من الصندوق أكثر منها في الرقابة الثنائية على البلدان ذات الأوضاع المتشابهة، وهو ما يرجع جزئيا إلى أن مشاركة الصندوق تكون أكثر كثافة في سياق البرامج. غير أن مدى المشاركة كان متباينا إلى حد كبير في مختلف أنشطة الرقابة والبرامج المدعمة من الصندوق، حتى بالنسبة للبلدان التي تواجه تحديات متشابهة إلى حد كبير فيما يتعلق بالفساد. وبالإضافة إلى ذلك، غالبا ما تُناقَش قضايا الفساد بلغة غير مباشرة قد تؤثر على وضوح التقارير التي يقدم فيها خبراء الصندوق تحليلاتهم وتوصياتهم بشأن السياسات، وإن كانت هذه اللغة قد تتناسب أحيانا مع الحساسيات السياسية. 

ويشير التقييم إلى أن تحقيق تغطية أكثر منهجية – ومساواة – لقضايا الفساد قد يتطلب من المجلس التنفيذي مزيدا من الإرشادات في عدد من المجالات التي يمكن مناقشاتها بالتفصيل في تقرير متابعة لاحق: 

  • تقييم مدى الفساد: تمشيا مع إرشادات المجلس التنفيذي، سيكون من الضروري تكملة استخدام مؤشرات الأطراف الثالثة بـأحكام تقديرية من جانب خبراء الصندوق. ولتقديم الإرشاد اللازم في هذا الخصوص، سيتعين إجراء مزيد من العمل التحليلي لتحديد ما يتسم به البلد المعني من خصائص هيكلية يمكن أن تشكل أدوات جيدة للتنبؤ بحدوث فساد كبير. 
  • تقييم الأثر الاقتصادي الكلي: من الأسئلة الأساسية التي أثارتها المراجعة ما إذا كان الأفق الزمني الذي يعتبر في العادة ملائما لتقييم الأثر الاقتصادي الكلي (وهو من 3 إلى 5 سنوات) ملائم بالفعل بالنظر إلى أن تأثير الفساد على الاقتصاد يمكن أن يكون طويل الأجل في أغلب الأحوال. وهناك عدة مجالات أخرى يغطيها عمل الصندوق تُثار فيها مسألة الأفق الزمني الملائم لتقييم الأثر الاقتصادي (مثل تأثير عدم المساواة في توزيع الدخل أو تأثير سياسات بناء رأس المال البشري). 
  • المشورة بشأن السياسات: يوضح التقييم أيضا أن تصميم استراتيجيات فعالة لمكافحة الفساد سيتطلب عملا تحليليا كبيرا لإمداد الفِرَق القُطْرية بإرشادات عملية حول المشورة الملائمة في الظروف التي يكون الفساد فيها قد أصبح مشكلة كبيرة بما يبرر مشاركة الصندوق في جهود البلدان لحلها.   
  • التعاون مع المنظمات الأخرى: من البديهي والحال هذه أن يتطلب الأمر تعاونا أوثق مع المؤسسات ذات الخبرة المتخصصة – بما فيها البنك الدولي – في سياق عمل الصندوق لبلورة مناهج للسياسات يمكن استخدامها في تشخيص مدى الفساد وتصميم استراتيجيات لمكافحته. 

النتائج والدروس المستخلصة

1- يستخلص هذا القسم أهم النتائج التي وردت في القسم السابق ويحدد الدروس التي يمكن استخلاصها عند مشاركة الصندوق مستقبلا في الجهود المتعلقة بقضايا الفساد. ولوضع هذه النتائج في سياقها، من المفيد تسليط الضوء على بعض التحديات التي يواجهها الصندوق عند مشاركته في جهود البلدان الأعضاء في هذا المجال – وهي تحديات يجب أن تؤخذ في الاعتبار في المبادئ التوجيهية ومبادئ المشاركة في المستقبل. 

  • الاعتبار الأول هو صعوبة تقييم حجم الفساد وطبيعته، نظرا لأن الأنشطة الفاسدة عادة ما يتم حجبها. وينبغي الاستعانة بالتقدير الاستنسابي لمصادر المعلومات التي سينظر فيها، ومدى موثوقية كل منها في توفير المعلومات اللازمة للتحليل والتوصيات بشأن السياسات. فعلى سبيل المثال، قد تكون المعلومات التي تسترعي انتباه خبراء الصندوق غير موثوقة وذات طابع عام، وبالتالي يصعب متابعتها.
  • وهناك تحد ثان يتمثل في تفهم قنوات انتقال الآثار بين الفساد وأداء الاقتصاد الكلي، الأمر الذي يرجح اعتماده على طبيعة الفساد وحجمه، وعلى السياق الأوسع، على دور المؤثرات الأخرى على نتائج الاقتصاد الكلي في الأجلين القصير والمتوسط. ولا تزال سلطات بعض البلدان تمانع في إشراك الصندوق في قضايا الفساد، باعتبارها شأنا سياسيا بالدرجة الأولى وليست شأنا اقتصاديا، أو ربما تكون غير راغبة في إعلان مناقشاتها مع خبراء الصندوق للجمهور العام (راجع المرفق الرابع والوثيقة التكميلية، المذكرة المرجعية السادسة).
  • وهناك تحد آخر وهو أنه نظرا لأن الفساد غالبا ما يكون مستترا، فإن فعالية سياسات مكافحة الفساد أو غيرها من سياسات تحسين نظم الحوكمة يصعب قياسها، ويتحقق تأثيرها الأكبر على المديين المتوسط والطويل.
  • وأخيرا، هناك التحدي المتمثل في تحديد الأولويات. فعلى الرغم من أن مشكلة الفساد قد تكون كبيرة في البلد المعني، غالبا ما تزاحمها تحديات السياسة الأخرى التي تقع ضمن مجال اختصاص الصندوق. وفي ظل موارد الصندوق المحدودة، فإنه غالبا ما يعطي الأولوية – سواء في سياق أعمال الرقابة أو استخدام موارد الصندوق - للمجالات التي يكون فيها الأثر على الاقتصاد الكلي هو الأكثر مباشرة ووضوحا. وبالإضافة إلى ذلك، عند تحديد أولويات تغطية قضايا الفساد، يعتمد مستوى مشاركة الصندوق على مستوى الدعم الذي تقدمه المنظمات الأخرى، ولا سيما البنك الدولي.

ورغم أن العديد من هذه العوامل سيبقى موضع اعتبار، يمكن للصندوق أن يساعد الخبراء على مواجهة هذه التحديات من خلال وضع إطار سياسات واضح وتوجيهات تشغيلية. ويتناول هذا التقرير هذه القضايا للمناقشة في المجلس التنفيذي. وبناء على هذه المناقشة، سيتم إعداد تقرير متابعة يحدد التعديلات التي ينبغي إدخالها على سياسات الصندوق وممارساته في هذا المجال.

2- وبوجه عام، تخلص المراجعة إلى أن تقدما كبيرا قد تحقق في تنفيذ المذكرة التوجيهية فيما يتعلق بمشاركة الصندوق في الجهود المعنية بقضايا الفساد. ذلك أن اتساع وعمق تغطية الفساد في كثير من التقارير القُطْرية ومساهمات الصندوق في أدبيات الفساد كلها يدلل على درجة عالية من الوعي بأن للفساد آثارا اقتصادية كلية كبيرة تشكل أهمية بالنسبة لمشاركة الصندوق في جهود البلدان الأعضاء. وتتسم هذه المشاركة بأنها الأكثر كثافة، على النحو الملائم، لا سيما في البلدان التي سجلت أعلى مستويات الفساد. فقد خلصت المراجعة إلى أن الصندوق كانت له مشاركة مستمرة ومكثفة بوجه عام في نصف البلدان الواقعة في الفئة الرُبعية الأعلى فيما يتعلق بالفساد العالمي. وفي الحالات التي قامت فيها هذه البلدان بتنفيذ برامج يدعمها الصندوق، ساهم ذلك في إضفاء مزيد من التحديد والعمق والتفصيل على مشاركة الصندوق. وقد ساعد الاستعداد لوقف التمويل على تحقيق تقدم حيثما ظهرت قضايا الفساد أو عدم معالجتها على النحو الكافي في إطار البرامج.

3- غير أن المراجعة تكشف أن المجال لا يزال متاحا لتعزيز هذه المشاركة، على النحو المبين تفصيلا أدناه. فحسبما ذُكر آنفا، لم تكن هذه العملية سوى تقييم لتحديد المجالات التي قد تستدعي مزيدا من التوجيهات. وإذا رغب المجلس التنفيذي في متابعة أي من الدروس المستخلصة، يمكنه طلب تقرير متابعة يتناول بالتفصيل المبادئ أو التوجيهات التشغيلية الاستشرافية لمشاركة الصندوق في قضايا الحوكمة والفساد.

تقييم مدى الفساد

4- يبدو أنه من المهم أن يضع الصندوق أسلوبا منهجيا خاصا به لتقييم مدى الفساد في أي بلد. وكمسألة تمهيدية، تشكل مناقشات الخبراء مع السلطات أساسا مهما عند إعداد هذا التقييم. ويمكن تكملة ذلك باستخدام كل من: (أ) مؤشرات الأطراف الثالثة؛ و(ب) مجموعة من الخصائص الهيكلية التي تثبت أهميتها في التأثير على مستوى الفساد في البلد المعني. ويمكن أن تشمل هذه المجموعة، على سبيل المثال، صلابة الإدارة المالية العامة في البلد العضو، وحجم التنظيم الاقتصادي وشفافيته، وكفاءة الإدارة الضريبية، وفعالية السلطة القضائية. وسيكون تحديد هذه الخصائص سمة أساسية في حالة إعداد تقرير متابعة إلى المجلس التنفيذي يستند إلى مدخلات من الإدارات الوظيفية وإدارات المناطق الجغرافية التي تتمتع بالخبرات ذات الصلة.

5- ومن أهم المسائل في هذا الشأن تحديد مؤشرات الأطراف الثالثة ودورها الملائم. فكما ورد آنفا، من المتوقع أن يكون لهذه المؤشرات دور مهم في تقدير حجم الفساد، ولكنه ليس بالدور الوحيد. فأوجه التشابه بين البلدان في مؤشر فساد واحد قد لا تعكس بدقة الاختلافات المهمة المحتملة في أنشطة الفساد والتي تستدعي استخدام مناهج مختلفة للمشاركة. فالظروف الاقتصادية والمؤسسات الحاكمة تتباين فيما بين البلدان، مما يعني وجود اختلاف محتمل بين قنوات انتقال الآثار ومستويات الأثر الاقتصادي الكلي. وعلى هذه الخلفية، يمكن للخبراء الاستفادة بشكل أكبر من المؤشرات ليس فقط لتوفير ملاحظات موجزة قائمة بذاتها، بل ودمج هذه الملاحظات في تحليل الخبراء، عن طريق رصد المؤشرات عبر فترة زمنية وإجراء المقارنات بين النظراء على سبيل المثال. وينبغي أيضا النظر في استخدام مجموعة من مؤشرات الأطراف الثالثة، لأن الفساد يمكن أن يتخذ أشكالا عديدة، وليس قابلا للقياس باستخدام مؤشر واحد. ومن الناحية العملية، تتباين المؤشرات إلى حد كبير فيما يتعلق بالمنهجية والتركيز، ولا تتطابق نتائجها دوما بالنسبة للبلد المعني. (للاطلاع على مزيد من التفاصيل، راجع الوثيقة التكميلية، المذكرة المرجعية الثالثة).

6- وفي الوقت نفسه، يجري حاليا إعداد توجيهات لخبراء الصندوق بشأن استخدام مؤشرات الأطراف الثالثة. ويأتي ذلك استجابة للتساؤلات التي طرحها بعض المديرين مؤخرا حول جودة العديد من المؤشرات وعدم وجود توجيهات منهجية لاستخدامها في وثائق المجلس التنفيذي. وسيتناول التقرير المقبل إلى المجلس التنفيذي القضايا المتعلقة بالشفافية في استخدام المؤشرات (على سبيل المثال، توخي الصراحة بشأن خصائصها، وأوجه قصورها المنهجية، وأوجه عدم اليقين بشأن القياس)، إلى جانب قيمة اختبارات المتانة (مثل استخدام مؤشرات متعددة أو المقارنة مع مدخلات أخرى)، وأهمية عرض آراء السلطات و/أو الأطراف المعنية الأخرى إذا كان لديها تفسير مختلف.

تقييم الأثر الاقتصادي الكلي - فهم الأفق الزمني المناسب

7- يتعين وضع توجيهات أخرى بشأن الطريقة المستخدمة لتقييم الأثر الاقتصادي الكلي للفساد (المرفق الرابع والوثيقة التكميلية، المذكرة المرجعية السادسة). فقد خلصت المراجعة إلى أن تقارير الخبراء نادرا ما تتناول درجة الأثر الاقتصادي الكلي أو طبيعته. وهناك آراء بأن هذا القياس ضمني في اختيار الخبراء لتوقيت المشاركة في الجهود المعنية بقضايا الفساد. غير أن العلاقة الاستدلالية بين مؤشرات الفساد والأثر الاقتصادي الكلي ليست دائما واضحة أو مفيدة. وبافتراض أن هناك قبول للتحليل العام المبين لاحقا في مناقشة أثر الفساد على الاقتصاد الكلي، فمن المتوقع، في سياق أعمال الرقابة واستخدام موارد الصندوق، أن يزداد احتمال تحليل طبيعة الأثر الاقتصادي الكلي للفساد مع زيادة مستوى الفساد الذي يتم تقييمه.

8- وعند وضع توجيهات بشأن كيفية تقييم الأثر الاقتصادي الكلي للفساد سوف يتعين مناقشة الأفق الزمني الملائم الذي ينبغي استخدامه لهذا الغرض. وعلى الرغم من أن النتائج تبين التزام خبراء الصندوق بالمعيار الحالي المنصوص عليه في المذكرة التوجيهية (وهو ما يتضح أيضا في قرار الرقابة الموحدة والمبادئ التوجيهية المعنية بالشرطية)، فمن الضروري إعادة النظر فيما إذا كان الأفق الزمني القصير إلى المتوسط يمثل إطارا زمنيا كافيا لتقييم أثر الفساد وتحديد تدابير معالجته. وبالنسبة لبعض البلدان التي تعاني من الفساد الشديد، قد يكون من السهل فصل الأثر الاقتصادي الكلي للفساد عن دور العوامل الأخرى التي تؤثر على الأداء الاقتصادي؛ وفي الحالات الأخرى، ولا سيما حيث تنمو الاقتصادات سريعا، قد لا يكون الأمر بنفس السهولة، ولا سيما على مدار الأفق الزمني القصير. ولا يمكن الكشف عن الأثر الكامل للفساد إلا على مدار فترة زمنية طويلة؛ وقد تستغرق التدابير العلاجية أيضا وقتا طويلا لتحقيق النتائج.9- إن ضرورة استخدام أفق زمني أطول لتقييم الأثر الاقتصادي لا تقتصر على قضايا الفساد. فهي مسألة ذات أهمية أكبر لسياسات الاقتصاد الكلي والسياسات الهيكلية الكلية – بما في ذلك قضايا عدم المساواة بين الجنسين وتغير المناخ – وقد أُثيرت بالفعل في تلك السياقات. وبالتالي، قد يتعين تنسيق أي توجيهات أخرى في هذا المجال باعتبارها مسألة أعم متعلقة بالسياسات.

تقديم المشورة بشأن السياسات في سياق أعمال الرقابة

10- إلى جانب المشكلات الواردة أعلاه بشأن تشخيص مشكلة الفساد، يبدو أن هناك أيضا مشكلات تتعلق بصياغة المشورة الفعالة بشأن السياسات في سياق أعمال الرقابة بمجرد تشخيص المشكلة. والمراجعة تبين أن مشاركة الصندوق في الجهود المعنية بقضايا الفساد في سياق أعمال الرقابة تختلف عن مشاركته في سياق البرامج. فغالبا ما ينطوي التحليل والمشورة بشأن قضايا الفساد في حالات البرامج على قدر أكبر من الدقة والعمق والتفصيل مقارنة بحالات أعمال الرقابة، حيث إن المشورة بشأن السياسات المتعلقة بتعزيز الأطر ومعالجة الشواغل المتصلة بالفساد غالبا ما تكون ذات طابع عام. وفي حالة البلدان التي لا ترتبط مع الصندوق إلا بعلاقة رقابة طويلة الأجل، كانت مشاركة الصندوق في الجهود المعنية بقضايا الفساد تزداد بشكل ملحوظ عند بدء تنفيذ البرنامج، في حين كانت تتراجع مشاركته في هذه القضايا غالبا بمجرد خروج البلد المعني من البرنامج. وعند معالجة قضايا الفساد في إطار الرقابة، عادة ما يكون الاهتمام عَرَضيا، وهو ما قد يعطي انطباعا بأن ضعف الحوكمة هو حدث عرضي وليس دائما، حتى عندما تشير معلومات أخرى، بما في ذلك المصادر الخارجية ومؤشرات الأطراف الثالثة، إلى وجود مشكلة أكثر توطنا.

11- وكما ورد آنفا، ينبغي، إلى حد ما، ينبغي توقع وجود اختلاف في التغطية بين حالات أعمال الرقابة وحالات استخدام موارد الصندوق. ومن الأرجح أن يعكس ذلك، إلى حد ما، زيادة أهمية اتخاذ تدابير معالجة الفساد عندما يتدهور أداء الاقتصاد الكلي إلى الدرجة التي يتعين عندها اللجوء إلى برنامج يدعمه الصندوق. وإلى جانب ذلك فإن الموارد التي يخصصها الخبراء للبرامج، بما في ذلك تقديم المساعدة الفنية الموجهة، عادة ما تكون أكبر بكثير مقارنة بحالات الرقابة، مما يتيح تغطية أعمق لمجموعة من قضايا السياسات التي لا تقتصر على الفساد. غير أن تعليقات الخبراء تشير إلى الحاجة إلى مزيد من التوجيهات بشأن صياغة المشورة بشأن السياسات في مجال الرقابة (المرفق الرابع والوثيقة التكميلية، المذكرة المرجعية السادسة). وقد أشار الخبراء إلى ترحيبهم بالحصول على المشورة حول كيفية تصميم مشورة الصندوق بشأن أكثر السبل فعالية في مكافحة الفساد. ويمكن أن تسهم هذه التوجيهات في استخلاص العناصر الرئيسية في سياسات معالجة الفساد فضلا عن العناصر العامة في الاستراتيجيات الفعالة لمكافحة الفساد. وإلى جانب قضايا تصميم السياسات، يمكن أن تتناول التوجيهات أيضا كيفية تحقيق التقدم. ومن المؤكد أن المنهج العام لمعالجة الفساد سيفيد من اختيار خصائص الاقتصاد العضو التي يتم الاعتماد عليها لأغراض تحديد ما إذا كان الفساد نظاميا. وبالتالي، إذا كانت الأطر الضعيفة لإدارة المالية العامة ذات أهمية عند تقييم مستوى الفساد، فإن تعزيز هذه الأطر سيكون عنصرا مهما في أي استراتيجية قوية لمكافحة الفساد.

استخدام الشرطية المصاحبة للبرامج

    12- عند استخدام الشرطية المصاحبة للبرامج، كان يبدو أمرا مبررا وفعالا. وفي هذا الصدد، يبدو أن الصندوق أفاد من الدروس المستخلصة من التقييم اللاحق لبرنامج المساعدة المقدم لكينيا في 2008، حيث خلص إلى أن البرنامج كان مثقلا بتدابير الحوكمة التي لم يكن لها سوى ارتباط ضعيف بالأهمية الحيوية للبرنامج. وقد وردت دروس مماثلة في التقييمات اللاحقة والتقييمات اللاحقة للبرامج الأخرى، مما يؤكد أهمية الشرطية المبسطة، والمهمة للأداء الكلي، والمصممة على نحو يلائم قدرات التنفيذ (المرفق الرابع). ورغم أن هذه الدروس تنطبق على الشرطية بوجه عام، فإن قضايا الفساد تمثل تحديا خاصا نظرا لحساسية الموضوع والمصالح الخاصة التي قد تعارض الإصلاح. وقد رحب رؤساء البعثات بوضع توجيهات أوضح بشأن تصميم المشورة بشأن السياسات والشرطية في هذا الصدد (المرفق الرابع والوثيقة التكميلية، المذكرة المرجعية السادسة). 

    13- وحيثما كان الشعور بملكية البرنامج قويا جدا، كان يتحقق تقدم كبير في مجال مكافحة الفساد، حتى في ظل شرطية الصندوق المحدودة في مجال الفساد. فعلى سبيل المثال، قطعت جورجيا شوطا كبيرا في الحد من أعمال الفساد المعتادة منذ عام 2004، رغم أن الفساد لم يكن محورا رئيسيا للبرامج التي يدعمها الصندوق بعد عام 2007. وعندما يكون الفساد جزءا لا يتجزأ من الاقتصاد السياسي وتكون مقاومة التغيير قوية، يمكن أن يكون التقدم بطيئا، حتى في ظل الشرطية واسعة النطاق (أفغانستان، وجمهورية الكونغو الديمقراطية، والعراق، وأوكرانيا، وزيمبابوي، على سبيل المثال). وفي هذه الحالات، كان الصندوق يسعى إلى تعزيز الممارسات المؤسسية تدريجيا، وغالبا ما كان يبدأ بحوكمة المالية العامة. وقد خلصت المراجعة التي قامت بها الإدارة الإفريقية وإدارة شؤون المالية العامة إلى أن الإيقاف المتوقع أو الفعلي للمساعدة الفنية المقدمة من الصندوق كان وحده كافيا، في بعض الحالات، لحث السلطات على التركيز على الأسباب الكامنة وراء إخفاقات النزاهة المالية ومعالجتها (ملاوي 2013، وموزامبيق 2016، مثلا).

    14- وكما في سياق أعمال الرقابة، فإن زيادة التوجيهات بشأن كيفية التصدي لتحديات محددة في مجال الفساد ستكون موضع ترحيب عند صياغة المشورة بشأن السياسات في سياق البرامج التي يدعمها الصندوق. ويمكن لهذه التوجيهات أن تتناول الأهداف الواقعية والتنفيذ التدريجي للإصلاحات، وخاصة بالنظر إلى الأفق الزمني المحدود للبرامج التي يدعمها الصندوق. ويمكنها أيضا أن توازن بين مزايا كل من الأهداف الموجهة نحو العمليات والنتائج، وتوثيق أهداف ونتائج الشرطية المصاحبة للبرامج. 

الشفافية في مشاركة الصندوق

15- رغم أن استخدام لغة غير مباشرة قد ساعد على معالجة قضايا حساسة، فإن الاعتماد الشديد على هذه اللغة يمكن أن يجعل تحليل الخبراء وتوصياتهم بشأن السياسات أقل وضوحا. وفي بعض الحالات، ساهمت جهود فريق حصر النتائج في إجراء مراجعة موازية للمصادر الخارجية مثل تقارير المنظمات الدولية الأخرى والدوائر الأكاديمية ومنظمات المجتمع المدني ووسائل الإعلام في إيضاح مشاركة الصندوق الأساسية الضمنية في قضايا الفساد. غير أن ذلك لم يكن ممكنا دائما ولا ينبغي، في جميع الأحوال، أن يكون ضروريا عند تفسير تقارير الصندوق. فمن المرجح، في بعض الحالات، أن يكون "تفسير" تقارير الخبراء صعبا على غير "الأطراف الداخلية" المطلعة على لغة وفحوى تقارير خبراء الصندوق. وينبغي الاعتراف بأن استخدام اللغة الرمزية قد يُفسَّر، جزئيا، على أنه التزام بالتحذيرات الواردة في المذكرة التوجيهية لتجنب القيام بعمل يضر بأي إجراءات قانونية محلية ذات صلة أو تجنب التعليق على حالات محددة محل نزاع. وإلى جانب ذلك، كان يمكن استخدام اللغة الرمزية استخداما استراتيجيا في بعض الحالات لتعزيز التقدم المحرز مع السلطات بشأن القضايا الحساسة وبالتالي المساعدة في اعتماد مشورة الصندوق بشأن السياسات. غير أن هناك مجالا أكبر لزيادة درجة الوضوح والصراحة في تقارير الخبراء، بوجه عام، عند مناقشة القضايا المتعلقة بالفساد، ولا سيما عند تفسير تشخيص الصندوق للتحديات المتعلقة بالفساد. غير أن الحلول المقترحة، على النحو المشار إليه آنفا، يمكن صياغتها على نحو ملائم في سياق زيادة الشفافية وتحسين الحوكمة على نطاق أوسع. ومن المثير للاهتمام ملاحظة أن الإشارات الصريحة لكلمة "الفساد" قد تباينت مع مرور الوقت، رغم أنه ليس من الواضح ما إذا كان هذا يعكس تغير المواقف تجاه اللغة المباشرة أو تغير أنماط المشاركة بوجه عام (راجع المرفق الخامس).

المساواة في مشاركة الصندوق

16- يثير هذا الحصر للنتائج تساؤلات حول المساواة في مشاركة الصندوق في قضايا الفساد، بمعنى معاملة البلدان ذات الأوضاع المتشابهة بطريقة متماثلة. ولا يعني مبدأ توحيد المعاملة ضرورة معاملة جميع الأعضاء على قدم المساواة، بل إن أي قرار يتخذه الصندوق للتمييز بين الأعضاء يجب أن يستند إلى تطبيق المعايير ذات الصلة بالهدف من العملية التي يجريها الصندوق. وقد يكون هناك ما يبرر الاختلافات في مستوى مشاركة الصندوق بين البلدان التي تم تقييم أوضاعها بأن لديها مستويات متماثلة من الفساد في نقطة زمنية معينة تكون فيها الشواغل ذات أولوية أكبر في أحد البلدان دون الآخر (على سبيل المثال احتمالات وقوع أزمة عملة وشيكة). ويمكن أيضا توقع وجود اختلافات في مستوى المشاركة بين حالات أعمال رقابة الصندوق وحالات البرامج التي يدعمها الصندوق، نظرا للمشاركة الواسعة من جانب الصندوق في السياق الأخير. ومع ذلك توضح هذه المراجعة أن الاختلاف في معاملة قضايا الفساد بين البلدان ذات المستويات المرتفعة من الفساد لم يُفسر عادة بوضوح عن طريق الرجوع إلى ظروف قُطرية معينة. ويمكن تفسير جانب كبير من الاختلافات في المعاملة من خلال التحديات المذكورة آنفا التي تواجه الخبراء عند تحديد طبيعة وحجم الفساد، وتفهم قنوات انتقال الآثار، وتحديد أولويات المشاركة (راجع الفقرة 71). وسيتم تعزيز الإجراءات التي تضمن توحيد المعاملة إذا ما توافرت توجيهات إضافية في كثير من المجالات التي نوقشت أعلاه؛ أي كيفية قياس مدى الفساد؛ وكيفية تقييم الأثر الاقتصادي الكلي؛ وطبيعة المشورة الواجب تقديمها، وغير ذلك.

17- كذلك يمكن أن يسهم الإطار الذي تم وضعه في عام 2016، استجابة لنتائج مراجعة الرقابة المقررة كل ثلاث سنوات بشأن المساواة في أعمال رقابة الصندوق، في معالجة هذه الشواغل في مجال الرقابة. فقد نص هذا الإطار على مبادئ المساواة في أعمال الرقابة، مع التركيز على "المدخلات". ويتم الاسترشاد بهذه المبادئ في تخصيص الموارد حتى تعكس عوامل الخطر الفردية أو النظامية للبلدان، وتؤكد أن المشورة بشأن السياسات تعكس تحليلا سليما وموضوعيا يتناسب مع الظروف القُطْرية. وسيؤدي التطبيق المستمر لمبادئ المساواة هذه، بما في ذلك تغطية قضايا الفساد والحوكمة، لىمعالجة هذه القضايا على نحو أكثر مساواة في المعاملة.

التعاون مع المؤسسات الأخرى 

18- يعد التعاون مع المؤسسات الأخرى، ولا سيما البنك الدولي، مهما لتبادل المعلومات بشأن الظروف القُطْرية ووضع مناهج السياسة اللازمة لمعالجة مخاطر الفساد. وسوف تعكس مساهمات كل مؤسسة مجالات الخبرة لديها (راجع الوثيقة التكميلية، المذكرة المرجعية الثانية). وقد أشارت مراجعة عام 2004 إلى أن التعاون الخارجي كان أقوى في سياق البرامج، ولا يزال الحال كذلك. ومع ذلك فإن المعلومات المتاحة في الوثائق القُطْرية بشأن طبيعة هذا التعاون نادرة نسبيا، إلا إذا كان جدول أعمال مكافحة الفساد يُنفذ بصورة مكثفة، وفي هذه الحالة، تشير وثائق المجلس التنفيذي أحيانا إلى العمل التعاوني مع البنك الدولي وبعض مصارف التنمية الإقليمية. وبوجه عام، يبدو أن المجال متاح لزيادة التعاون مع المنظمات الدولية الأخرى.