تقرير آفاق الاقتصاد العالمي

التحديات أمام النمو المطرد

أكتوبر 2018

اعتدنا في التقديم لتقرير آفاق الاقتصاد العالمي أن نسلط الضوء على مدى تغير افتراضاتنا الأساسية للنمو تمشياً مع البيانات التي أعقبت صدور توقعاتنا السابقة. ويهتم التقديم بتفاصيل آخر التطورات العالمية ويفسر انعكاساتها على السياسات في الفترة القادمة. لكننا في هذا التقديم – وهو الأخير بالنسبة لي – نسعى إلى وضع الفترة الحالية في سياق تاريخي أوسع، وهو منهج أفضل في استخلاص الدروس للمستقبل.

والظرف الراهن يبرر هذا المنهج غير المعتاد الذي آثرته هذه المرة. فهذا العدد من التقرير يصدر بعد الذكرى العاشرة لانهيار بنك ليمان براذرز بفترة قصيرة، وفي وقت تتكثف فيه أجواء عدم اليقين – ليس فقط حول السياسات الاقتصادية، بل أيضاً حول الإطار العالمي للعلاقات الدولية الذي توضع بمقتضاه هذه السياسات.

فيديو اللقاء الصحفي

عودة إلى أعلى

التقرير

النص الكامل 

وقد جلب العقد المنصرم منذ الأزمة المالية العالمية في 2008-2009 تطورات اقتصادية وسياسية حادة بالفعل، وهو اتجاه عام لا يبدو من المرجح أن ينحسر في أي وقت قريب. فكيف لصناع السياسات توجيه دفة اقتصاداتهم عبر الأمواج المتلاطمة في الفترة المقبلة؟ كيف يمكنهم تقوية وتحديث النظام متعدد الأطراف الذي أعقب الحرب العالمية الثانية وكان داعماً لفترة غير مسبوقة من السلام والرخاء دامت 70 عاماً؟ الإجابة هي أننا يجب أن ننظر ليس فقط في تأثير الأزمة ذاتها، إنما أيضا في السنوات التي سبقتها مباشرة، حين ظهرت بعض الأنماط الأساسية التي ميزت فترة ما بعد الأزمة.  

عقد ما قبل الأزمة

شهدت الفترة السابقة على الأزمة أول ظهور لبعض مواطن الضعف التي تشوب اقتصادنا الحالي. ويتتبع الرسم البياني مسار النمو العالمي الحقيقي منذ عام 1980، إلى جانب مساهمات الاقتصادات المتقدمة واقتصادات الأسواق الصاعدة والاقتصادات النامية. وبعد الأزمة الآسيوية (1997-1998) وانهيار فقاعة الدوت كوم (2000-2001)، حدث تسارُع كبير في معدلات نمو اقتصادات الأسواق الصاعدة والاقتصادات النامية بينما سجلت الاقتصادات المتقدمة، رغم تعافيها، معدلات نمو أقل من مستوياتها السابقة.  

وهناك أمران بارزان في هذا السياق. أولاً، يسير نمو الاقتصادات المتقدمة في اتجاه هبوطي بوجه عام منذ منتصف الألفينات. ومصدر هذا التراجع طويل الأجل هو شيخوخة القوى العاملة وتباطؤ نمو الإنتاجية، بالتزامن مع تراجع ديناميكية الاقتصاد وتزايد تَرَكُّز الأسواق. ومن الجدير بالذكر أن تقريرنا يتنبأ للاقتصادات المتقدمة بمعدلات نمو مستقبلية أقل من المستويات الحالية على المدى الأطول.  

ثانياً، جاءت بداية الألفية الجديدة مصحوبة بطفرة نمو في اقتصادات الأسواق الصاعدة والاقتصادات النامية، مما جعلها تحقق مركزاً متفوقاً بوضوح مقارنة بالنمو في الاقتصادات المتقدمة. وكان النمو السريع في الصين هو المسؤول عن بعض هذا الانفصال بين الأداءين، وإن لم يكن كله بالتأكيد، نظراً لبقاء النمط السائد حتى بعد استبعاد مساهمة نمو الصين من المعادلة الجبرية للنمو (وكذلك مساهمة الهند من نفس المنطلق). ويأتي تَسَارُع النمو كنتيجة راسخة لزيادة قوة أطر السياسات في كثير من اقتصادات الأسواق الصاعدة والاقتصادات النامية، بما في ذلك اعتناقها سياسة تجارية أكثر انفتاحاً. ولأن هذا التسارُع يأتي أيضاً من زيادة وزن هذه الاقتصادات سريعة النمو في الاقتصاد العالمي، فإن احتفاظها بميزة النمو المتفوق على الاقتصادات المتقدمة يبدو أمراً مرجحاً ما لم تتمكن الاقتصادات المتقدمة من مواجهة تحدياتها الاقتصادية الهيكلية.

ومن خلال الأزمة الآسيوية وانفجار فقاعة الدوت كوم – والأحداث التي تخللتهما مثل الإنقاذ الاضطراري لصندوق استثمار "إدارة رؤوس الأموال طويلة الأجل" (LTCM) في عام 1998، الذي نجح في تجنب انهيار مالي نظامي كان ممكناً – يتضح بجلاء كيف يمكن لمواطن الضعف في الميزانيات العمومية وفقاعات أسعار الأصول أن تدمر مؤسسات مالية واقتصادات كاملة. وفي عام 1998، كان ألكسندر لامفالوسي نافذ البصيرة حين كتب في محاضرة هنري لويس ستيمسون التي ألقاها في جامعة ييل عن اضطرابات السوق الأمريكية التي أعقبت توقف روسيا عن سداد الديون في ذلك العام، فقال: "إذا أمكن حدوث مثل هذه التطورات في اقتصاد يعتبر نموذجاً لاقتصادات العالم، فما القيمة العملية لتوصية الأسواق الصاعدة بمحاكاة هذا النموذج؟"  

وقد استخلص العديد من اقتصادات الأسواق الصاعدة والاقتصادات النامية دروساً من هذه الأزمات بالفعل كما طبقتها في الواقع العملي، وذلك مثلاً باعتماد استراتيجية استهداف التضخم وتطبيق نظم أكثر مرونة لسعر الصرف وتنفيذ سياسات احترازية كلية – وهي دروس جديرة بأن نتذكرها اليوم. غير أن الاقتصادات المتقدمة كانت أكثر تهاوناً في هذا الصدد؛ فغالباً ما كانت تعتبر الأزمات المالية مشكلات تتعرض لها اقتصادات الأسواق الصاعدة والاقتصادات النامية فقط – رغم الأدلة المناقضة التي أكدتها عدة أزمات كانت وشيكة الحدوث، بما فيها واقعة صندوق استثمار "إدارة رؤوس الأموال طويلة الأجل". وكانت النتيجة هي الأزمة المالية العالمية، التي وضعت نهاية للانتعاش العالمي في منتصف العقد. وبالنظر إلى حدة الأزمة، يمكن القول بأن اقتصادات الأسواق الصاعدة والاقتصادات النامية تمكنت من تجاوزها بشكل جيد كمجموعة، كما واصلت النمو بسرعة أكبر مما حققته في الثمانينات والتسعينات.  

عقد ما بعد الأزمة

هبط النمو العالمي في 2009 على نحو قلما حدث من قبل، لكن كل مناطق العالم تعافت من الهبوط في الفترة 2010-2011، مدعومة بإجراءات قوية مضادة للاتجاهات الدورية اتخذتها كل بلدان مجموعة العشرين. فقد بادرت اقتصادات متقدمة عديدة بتخفيض أسعار الفائدة الأساسية إلى الحد الأدنى الصفري وبدأت تجرب الاعتماد على سياسات نقدية غير تقليدية.

وبعد الفترة 2010-2011 وقعت صدمات متعاقبة حالت دون استمرار النمو القوي والمتزامن – أزمة منطقة اليورو والتراجع عن سياسة التنشيط المالي في الاقتصادات الكبرى وحدوث اهتزازات في نمو الاقتصاد الصيني وتراجُع أسعار السلع الأولية. ونظراً لأساسيات الاقتصاد المواتية نسبياً في الولايات المتحدة بات من المرجح أن يكون مجلس الاحتياطي الفيدرالي هو أول البنوك المركزية الكبرى التي تعود إلى السياسة النقدية العادية، وأن يرتفع الدولار بدءاً من صيف 2014. وفزعت الأسواق العالمية بعد مرور عام حين بدأت الصين السماح لعملتها بالانخفاض أمام الدولار، نتيجة شعورها بالضغوط التي نجمت عن هذه الإجراءات على سعر صرفها الذي يُدار بصرامة. ولم تنحسر التوترات بسرعة. ففي غضون شهر من قيام الاحتياطي الفيدرالي برفع سعر الفائدة لأول مرة بعد عشر سنوات تقريباً في نهاية عام 2015، حدث اهتزاز في الأسواق المالية العالمية وزاد انخفاض أسعار السلع الأولية. وكان معدل النمو العالمي الذي بلغ 3.3% في عام 2016 هو الأدنى منذ عام 2009.

ثم بدأ التفاؤل الاقتصادي يعود في منتصف عام 2016، رغم تأثير النتائج المفاجئة لاستفتاء خروج المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي في شهر يونيو. وفي أواخر ذلك العام، حدثت طفرة في نشاط الصناعة التحويلية وتحسن النمو في كثير من بلدان العالم، مما أدى إلى انتعاش عالمي هو الأكثر توازناً منذ عام 2010. وبعد أن سجلت التجارة العالمية نمواً بطيئاً بصورة استثنائية في الفترة 2012-2016، عاودت التحسن بدورها مع بداية تعافي الاستثمار. وقد توقعنا في عدد إبريل 2018 من تقرير آفاق الاقتصاد العالمي أن يرتفع النمو العالمي إلى 3.9% في كل من 2018 و 2019. ولأول مرة منذ فترة، خَلُص تقييمنا إلى أن المخاطر المحيطة بتنبؤاتنا للنمو على المدى القصير تتسم بالتوازن المتكافئ بين احتمالية المفاجآت الإيجابية والمفاجآت السلبية.  

والآن في أكتوبر 2018، تشير آفاق الاقتصاد إلى توسع أقل توازناً وأكثر مبدئية مما كنا نأمل في إبريل الماضي. فلا يزال النمو في الولايات المتحدة قوياً للغاية حتى الآن، مدفوعاً بتوسع المالية العامة المساير للاتجاهات الدورية والذي قد يشكل رغم ذلك عبئاً على النمو في الولايات المتحدة والعالم فيما بعد. لكننا خفضنا توقعاتنا للنمو على المدى القصير في منطقة اليورو وكوريا والمملكة المتحدة. ويشير تقييمنا المعدل إلى توقعات أكثر حدة بالنسبة للأسواق الصاعدة كمجموعة، حيث نتنبأ بتراجع النمو في بلدان أمريكا اللاتينية (وأبرزها الأرجنتين والبرازيل والمكسيك)، والشرق الأوسط (ولا سيما إيران)، وأوروبا الصاعدة (ولا سيما تركيا). كذلك فإن تنبؤاتنا لنمو الصين في 2019 أقل أيضاً مما كانت عليه في إبريل، نظراً للجولة الأخيرة من التعريفات الجمركية التي فرضتها الولايات المتحدة على واردات الصين، وهو ما ينطبق على تنبؤاتنا للهند أيضاً. ونتيجة لهذه التغيرات، خفضنا توقعات النمو على المستوى الدولي للعامين الحالي والقادم إلى أقل من تقييماتنا الأخيرة ونفس المعدل المسجل في عام 2017 بمقدار 3.7 و 0.2 نقطة مئوية. وعلى مستوى الاقتصاد العالمي، تشير البيانات الأخيرة إلى تراجع التجارة والصناعة التحويلية والاستثمار. ولا يزال النمو العالمي قوياً على وجه الإجمال مقارنة بأوائل العقد الحالي، لكنه يبدو ثابتاً عند مستواه الحالي.

وأحد الأسباب وراء أرقام النمو الأكثر اعتدالاً والبيانات الأضعف التي تقوم عليها هو الارتفاع الحاد في درجة عدم اليقين بشأن السياسات على مدار العام الماضي – وهو تطور لم تظهر آثاره بعد في الأسواق المالية للاقتصادات المتقدمة ولكنه واضح في مقاييس عدم اليقين القائمة على الأخبار المتداولة. ويظهر عدم اليقين بشأن السياسة التجارية على نحو بارز عقب الإجراءات التي اتخذتها الولايات المتحدة (أو هددت باتخاذها) على عدة أصعدة، كما يظهر في ردود الأفعال الصادرة عن شركائها التجاريين، والتراجع العام في المشاورات متعددة الأطراف حول القضايا التجارية. وهناك مصدر خطر آخر يتمثل في احتمال فشل المفاوضات المتعلقة بخروج المملكة المتحدة من منطقة اليورو. ووسط أجواء عدم اليقين المحيطة بالتجارة، يزداد تضييق الأوضاع المالية بالنسبة لاقتصادات الأسواق الصاعدة والاقتصادات النامية التي تسعى للتكيف مع رفع أسعار الفائدة التدريجي من جانب الاحتياطي الفيدرالي في الولايات المتحدة، وإيقاف البنك المركزي الأوروبي لعمليات شراء الأصول. ومقارنة بعشر سنوات مضت، نلاحظ ارتفاع مستويات مديونية الشركات والكيانات السيادية في كثير من هذه الاقتصادات، مما يجعلها أكثر عرضة للخطر. ونظراً للتوترات الجغرافية/السياسية المؤثرة في عدة مناطق أيضاً، فإن احتمالية المفاجآت غير السارة تعتبر أكبر في تقديرنا من احتمالية الأخبار السارة غير المنظورة، حتى على المدى القصير.

تحديات السياسة

ولعل أكبر تحد مستمر بالنسبة لكثير من الاقتصادات المتقدمة هو المعدل البطيء لنمو دخل العاملين، والتراجع المتصور في درجة الحركية الاجتماعية، بالإضافة إلى عدم كفاية إجراءات السياسة المتخذة في بعض البلدان لمواجهة التغير الاقتصادي الهيكلي. ولا يقتصر الأمر على اتخاذ النمو اتجاهاً عاماً تنازلياً على المدى الطويل في الاقتصادات المتقدمة، بل إن المكاسب المحققة رغم تراجعها تذهب في الأساس إلى الفئة الثرية نسبياً في العديد من البلدان. ففي الولايات المتحدة على سبيل المثال، كان دخل الأسر الحقيقي الأوسط في 2016 مساوياً تقريباً لما كان عليه في 1999. ومن الواضح أن هذا النمط ظهر في تاريخ سابق على الأزمة المالية العالمية وأزمة منطقة اليورو. لكن الأزمات ذاتها، فضلاً على بعض جوانب إجراءات السياسة المتخذة لمواجهتها، تسببت في إفساد المزاج العام. وساعد السخط العام بدوره في ظهور التوترات الحالية بشأن السياسة التجارية واتساع نطاق الشكوك في السياسات الوسطية والقادة المعتدلين الذين دأبوا على دعم التعاون العالمي باعتباره الإجراء المناسب لمواجهة التحديات المشتركة.

ويجب على صناع السياسات اعتماد منظور طويل الأجل في معالجة هذا الاعتلال. فيمكن الحد من عدم المساواة من خلال سياسات المالية العامة الاحتوائية، والاستثمار في التعليم، وضمان إتاحة الرعاية الصحية الملائمة، وكلها تمثل أولويات أساسية. ومن الأولويات الأساسية أيضاً وجود شبكات للأمان الاجتماعي تتيح مستوى أعلى من الأمان للمستفيدين، فتستطيع مساعدة العمالة على التكيف مع مجموعة من الصدمات الهيكلية، سواء بسبب العولمة أو التغير التكنولوجي أو (في بعض البلدان) تغير المناخ. ومن المهم بوجه خاص انتهاج سياسات تشجع المشاركة في سوق العمل وإدماج النساء والشباب في الاقتصاد. وتختلف أولويات الإصلاح الهيكلي باختلاف البلدان، لكن معالجتها ستؤدي عموماً إلى زيادة الناتج والنمو على المدى المتوسط. ومع ذلك، يتعين توجيه الاهتمام الكافي للفئات المحرومة حالياً لكنها يمكن أن تتكبد خسائر أكبر فيما بعد. وقد أوضح العديد من الدراسات ذات الصلة أن هناك فرصاً واعدة لرفع معدلات النمو من خلال دعم أنشطة البحوث والتطوير والأبحاث العلمية الأساسية والتطبيقية. وتنطبق أولويات السياسة هذه أيضا ًعلى اقتصادات الأسواق الصاعدة والاقتصادات النامية.

ويحتاج معظم البلدان أيضاً إلى بناء هوامش أمان في ماليتها العامة لإفساح مجال أمام إجراءات السياسة اللازمة لمواجهة موجة الركود القادمة حين تأتي، وتخفيض التكاليف الضريبية طويلة الأجل التي تترتب على خدمة الدين العام المرتفع. ويجب على العديد من اقتصادات الأسواق الصاعدة والاقتصادات النامية إجراء إصلاحات في المالية العامة لضمان استمرارية مواردها العامة وتحسين مزاج السوق. وقد عززت الإجراءات العالمية والوطنية الاستقرار المالي بعد الأزمة، لكن المهمة لم تكتمل بعد من عدة أوجه، ومنها على سبيل المثال حماية القطاع المالي غير المصرفي وتسوية الأوضاع في حالات الإعسار، وخاصة بالنسبة للبنوك الدولية ذات الأهمية النظامية، حيث توجد حاجة ماسة لإطار ينظم التعاون الدولي. ويمكن تبسيط بعض إجراءات الإشراف المالي التي تبلورت إبان الأزمة، لكن التراجع عن هذه الإجراءات برمتها يجلب خطر عدم الاستقرار في المستقبل. وحتى التخفيف التدريجي للقيود التنظيمية يجب أن يكون حذراً ويخضع لدراسة دقيقة، لأن اتخاذ سلسلة من الإجراءات الصغيرة يمكن أن يؤدي في نهاية المطاف إلى إضعاف النظام بما يكفي لتحويله إلى نظام هش. بل إن ضرورة الحفاظ على السياسة النقدية التيسيرية حيثما كان التضخم دون المستويات المستهدفة، وأهمية التقدم بحذر في المجالات الأخرى هما بالذات ما يدعو إلى استمرار وجود الروافع الاحترازية الكلية والجزئية الفعالة.

ويعني تزايد وزن اقتصادات الأسواق الصاعدة والاقتصادات النامية في الاقتصاد العالمي أن الاقتصادات المتقدمة تحتفظ بقدر أقل من المكاسب العالمية المحققة من دعمها للتعاون متعدد الأطراف. وترى الاقتصادات المتقدمة أن تسرب المنافع إلى بلدان أخرى زاد عما كان عليه في الماضي، مقارنةً بالمنافع التي تحققها هي. وهذا التغير قد يسول للبعض التراجع إلى حالة يتخيلون أنها تحقق الاكتفاء الذاتي. لكن الاعتماد الاقتصادي المتبادل أكبر من أي وقت مضى – من خلال التجارة والتمويل وانتقال المعرفة والهجرة والآثار البيئية، على سبيل المثال لا الحصر – وهو ما يجعل التعاون في مجالات الاهتمام المشترك أهم من أي وقت سابق أيضاً، حتى في الاقتصادات المتقدمة.  

ويجب أن يتطور العمل متعدد الأطراف لكي يراه كل بلد في صالحه الخاص، حتى في عالم متعدد الأقطاب. لكن هذا سيتطلب دعماً سياسياً محلياً لمنهج تعاوني دولي. وفي هذا الصدد، لا تعتبر السياسات الاحتوائية التي تضمن اقتسام مكاسب النمو الاقتصادي على نطاق واسع أمراً مرغوباً في ذاته فقط، بل إنها يمكن أن تساعد على إقناع المواطنين بأن التعاون الدولي يحقق صالحهم أيضاً. وإنني أشعر بالفخر لأن فترة عملي في الصندوق شهدت مؤازرة متزايدة من الصندوق لهذه السياسات مع دعم الحلول متعددة الأطراف لمواجهة التحديات العالمية. فبدون سياسات أكثر شمولاً للجميع، لن يتسنى استمرار العمل على أساس متعدد الأطراف. وبدون عمل متعدد الأطراف، سيصبح العالم أفقر وأكثر خطورة.

موريس أوبستفلد

المستشار الاقتصادي

عودة إلى أعلى

ملخص وافٍ

لا يزال التوسع المطرد جارياً منذ منتصف 2016، ويُتوقع أن يظل عند مستواه المحقق عام 2017. وفي نفس الوقت، أصبح هذا التوسع أقل توازناً من ذي قبل وربما يكون قد بلغ مستوى الذروة في بعض الاقتصادات الكبرى. وفي الستة أشهر الماضية، زادت مخاطر التطورات السلبية التي تهدد النمو العالمي بينما قلت احتمالات حدوث تطورات إيجابية مفاجئة.  

ومن المتوقع أن يبلغ النمو العالمي 3.7% في 2018-2019 – بانخفاض قدره 0.2 نقطة مئوية للعامين مقارنة بالمعدل المتنبأ به في إبريل الماضي. ولا يزال الزخم قوياً في الولايات المتحدة مع استمرار زيادة الدفعة التنشيطية من المالية العامة، لكن تنبؤات عام 2019 تم تخفيضها على أثر الإجراءات التجارية التي أُعلِنت مؤخراً، بما في ذلك التعريفات الجمركية التي فرضت على سلع بقيمة 200 مليار دولار تستوردها الولايات المتحدة من الصين. وتم أيضاً تخفيض توقعات النمو لمنطقة اليورو والمملكة المتحدة، عقب التطورات المفاجئة التي كبحت النشاط في أوائل 2018. وفي مجموعة اقتصادات الأسواق الصاعدة والاقتصادات النامية، تم رفع توقعات النمو لكثير من البلدان المصدرة للطاقة في ضوء ارتفاع أسعار النفط، مع خفض توقعات النمو للأرجنتين والبرازيل وإيران وتركيا وبلدان أخرى انعكاساً لعوامل تخص كل بلد، بالإضافة إلى زيادة ضيق الأوضاع المالية، والتوترات الجغرافية/السياسية، وارتفاع فواتير استيراد النفط. ومن المتوقع أيضاً أن يشهد النمو بعض التراجع في الصين وعدد من الاقتصادات الآسيوية في عام 2019، عقب الإجراءات التجارية المعلنة مؤخراً. وبعد العامين القادمين، مع سد فجوات الناتج واستمرار مسيرة العودة إلى أوضاع السياسة النقدية العادية، من المتوقع أن ينخفض النمو في معظم الاقتصادات المتقدمة إلى مستوى المعدلات الممكنة – أقل بكثير من المتوسطات المحققة قبل الأزمة المالية العالمية التي مر عليها عشر سنوات. ويأتي انخفاض معدلات النمو على المدى المتوسط متأثراً بعوامل أساسية تتمثل في تباطؤ الزيادة العددية للسكان في سن العمل ومكاسب الإنتاجية الباهتة حسبما تشير التوقعات. وسوف ينخفض النمو في الولايات المتحدة مع البدء في سحب إجراءات التنشيط المالي عام 2020، وهو وقت يُتوقع أن تكون فيه دورة التشديد النقدي عند مستوى الذروة. وسيظل النمو قوياً في الصين لكنه من المتوقع أن ينخفض بالتدريج، كما تظل الآفاق المتوقعة دون المتوسط في بعض اقتصادات الأسواق الصاعدة والاقتصادات النامية، وخاصة بالنسبة لنصيب الفرد من النمو، وهو ما يشمل البلدان المصدرة للسلع الأولية التي لا تزال تواجه احتياجات كبيرة على صعيد الضبط المالي أو ترزح تحت وطأة الحرب والصراع.  

ويميل ميزان المخاطر المحيطة بالنمو العالمي إلى جانب التطورات السلبية في سياق يسوده ارتفاع عدم اليقين بشأن السياسات. فهناك عدة مخاطر من هذا القبيل أُلقي عليها الضوء في عدد إبريل 2018 من تقرير آفاق الاقتصاد العالمي - مثل تصاعد الحواجز التجارية وانعكاس مسار التدفقات الرأسمالية التي كانت تتجه إلى اقتصادات الأسواق الصاعدة ذات الأساسيات الاقتصادية الأضعف والمخاطر السياسية الأعلى - وأصبحت الآن أكثر وضوحاً أو تحققت بصورة جزئية. ولا تزال أوضاع الأسواق المالية في الاقتصادات المتقدمة محتفظة بطابعها التيسيري، لكنها قد تشتد بسرعة إذا ما تكثفت التوترات التجارية وزاد عدم اليقين بشأن السياسات، على سبيل المثال. وتمثل السياسة النقدية مؤثراً محتملاً آخر في هذا الخصوص. فقد تجاوز الاقتصاد الأمريكي مستوى التشغيل الكامل، لكن مسار زيادات أسعار الفائدة الذي تتوقعه الأسواق أقل حدة مما يتوقعه الاحتياطي الفيدرالي. وعلى ذلك، فقد يؤدي ارتفاع قراءات التضخم على نحو غير متوقع في الولايات المتحدة إلى قيام المستثمرين بإعادة تقييم مفاجئة للمخاطر. ويمكن أن يتسبب تشديد الأوضاع المالية في الاقتصادات المتقدمة إلى تعديلات مُربكة في المحافظ الاستثمارية، وحركات حادة في أسعار الصرف، ومزيد من التخفيضات في التدفقات الرأسمالية الداخلة إلى الأسواق الصاعدة، ولا سيما التي تعاني من مواطن ضعف أكثر من غيرها.

وقد ساعد التعافي على زيادة التوظيف والدخل، وأدى إلى تقوية الميزانيات العمومية، وأتاح فرصة لإعادة بناء هوامش الأمان. ولكن مع تحول ميزان المخاطر إلى جانب التطورات السلبية، زادت الحاجة الملحة إلى سياسات تعزز احتمالات النمو القوي والاحتوائي. وللحفاظ على التوسع العالمي ومد نطاقه، يظل من الضروري اجتناب ردود الأفعال الحمائية إزاء التغير الهيكلي والتوصل إلى حلول تعاونية تشجع النمو المستمر في تجارة السلع والخدمات. وفي ظل النمو الذي تجاوز المستوى الممكن في كثير من الاقتصادات، ينبغي أن يستهدف صناع السياسات إجراء إصلاحات تقود إلى رفع الدخول على المدى المتوسط حتى تتحقق الاستفادة للجميع. ومع انكماش الطاقة الإنتاجية الزائدة وتصاعد مخاطر التطورات السلبية، يحتاج كثير من البلدان إلى إعادة بناء هوامش الأمان في المالية العامة وتعزيز صلابتها أمام بيئة قد تتعرض لتضييق الأوضاع المالية بشكل مفاجئ وحاد.

فقد النشاط الاقتصادي بعض الزخم في الاقتصادات المتقدمة خلال النصف الأول من 2018، بعد أن بلغ الذروة في النصف الثاني من 2017. وجاءت النتائج دون المستوى المتوقع في منطقة اليورو والمملكة المتحدة، وانخفض نمو التجارة والإنتاج الصناعي عالمياً، وحدث تراجع في بعض المؤشرات عالية التواتر. ولا يزال التضخم الأساسي متبايناً إلى حد كبير عبر الاقتصادات المتقدمة – فهو أقل بكثير من الأهداف الموضوعة في منطقة اليورو واليابان، لكنه قريب من الهدف في المملكة المتحدة والولايات المتحدة. وفي اقتصادات الأسواق الصاعدة والاقتصادات النامية، لا يزال النشاط يتحسن بالتدريج في البلدان المصدرة للطاقة لكنه تراجع في بعض البلدان المستوردة. وتباطأ النشاط بدرجة أوضح في الأرجنتين والبرازيل وتركيا، تحت تأثير العوامل الخاصة بكل بلد بالإضافة إلى التحول السلبي في مزاج المستثمرين. وقد ارتفع التضخم بوجه عام في اقتصادات الأسواق الصاعدة والاقتصادات النامية، وهو ما يرجع في جانب منه إلى انتقال آثار تخفيض قيم العملات. وبينما ضاقت الأوضاع المالية في كثير من اقتصادات الأسواق الصاعدة والاقتصادات النامية، فلا تزال هذه الأوضاع تيسيرية في الاقتصادات المتقدمة، رغم استمرار الارتفاع في سعر الفائدة على القروض الفيدرالية في الولايات المتحدة.

وتشير التنبؤات إلى أن النمو العالمي سيبلغ 3.7% للفترة 2018-2019، بانخفاض قدره 0.2 نقطة مئوية عن المتوقع في عدد إبريل 2018 من تقرير آفاق الاقتصاد العالمي، ومن المتوقع أن يشهد بعض التراجع على المدى المتوسط. ومن المتوقع أيضاً أن تضيق الأوضاع المالية العالمية مع عودة السياسة النقدية العادية، وأن تؤثر الإجراءات التجارية التي تم تنفيذها منذ إبريل الماضي على النشاط في عام 2019 وما بعده، ويقل الزخم المتولد عن سياسة المالية العامة الأمريكية اعتباراً من عام 2020، ويتباطأ النشاط في الصين نتيجة لتراجع النمو الائتماني وتصاعد الحواجز التجارية. وفي الاقتصادات المتقدمة، سيؤدي التباطؤ الملحوظ في زيادة عدد السكان في سن العمل والتقدم الواهن في مستوى الإنتاجية إلى كبح تحسن الناتج الممكن على المدى المتوسط. وتبدو الآفاق متباينة على المدى المتوسط في مجموعة اقتصادات الأسواق الصاعدة والاقتصادات النامية. فلا تزال التوقعات مواتية بالنسبة لآسيا الصاعدة وأوروبا الصاعدة، ما عدا تركيا، لكنها ضعيفة بالنسبة لأمريكا اللاتينية والشرق الأوسط وإفريقيا جنوب الصحراء، حيث تظل الآفاق متوسطة الأجل ضعيفة عموماً بين البلدان المصدرة للسلع الأولية – رغم التعافي الجاري – مع وجود حاجة لزيادة تنوع الاقتصاد وإجراء المزيد من التصحيح لأوضاع المالية العامة. وتم إجراء خفض حاد في التوقعات الموضوعة لإيران بالنسبة للفترة 2018-2019، لمراعاة أثر عودة العقوبات المفروضة من الولايات المتحدة. وبالنسبة لتركيا، سيتأثر الاستثمار والطلب الاستهلاكي باضطرابات السوق والخفض الحاد لسعر العملة وارتفاع عدم اليقين، مما يبرر بدوره إجراء خفض حاد لتوقعات النمو. وقد تم أيضاً تخفيض توقعات النمو للصين وعدد من الاقتصادات الآسيوية عقب الإجراءات التجارية المعلنة مؤخراً. ومن المتوقع أن يكون نصيب الفرد من النمو في نحو 45 من الأسواق الصاعدة والاقتصادات النامية – وهي التي تساهم في إجمالي الناتج المحلي العالمي بنسبة 10% على أساس تعادل القوى الشرائية – أقل منه في الاقتصادات المتقدمة خلال الفترة 2018-2023، ومن ثم يُتوقع لها أن تسجل مزيداً من التراجع في مستوياتها المعيشية.  

ويميل ميزان المخاطر المحيطة بتنبؤات النمو العالمي إلى جانب التطورات السلبية، سواء على المدى القصير أو ما بعده. فقد انحسرت احتمالية التطورات الإيجابية المفاجئة، نظراً لانكماش زخم النمو وتضييق الأوضاع المالية في اقتصادات الأسواق الصاعدة والاقتصادات النامية. وفي نفس الوقت، هناك عدة تطورات سلبية محتملة أبرزها عدد إبريل 2018 من تقرير آفاق الاقتصاد العالمي– مثل تصاعد الحواجز التجارية وانعكاس مسار التدفقات الرأسمالية إلى اقتصادات الأسواق الصاعدة بعد تراجع مراكزها الخارجية، مثلما حدث في الأرجنتين وتركيا - وقد أصبحت الآن أكثر بروزاً أو تحققت جزئياً بالفعل.  

ومن المخاطر الأساسية التي تهدد آفاق الاقتصاد العالمي تصاعُد التوترات التجارية والتحول المحتمل عن النظام التجاري متعدد الأطراف القائم على قواعد ثابتة. فمنذ عدد إبريل 2018 من تقرير آفاق الاقتصاد العالمي، نلاحظ تحوُّل النبرة الحمائية إلى إجراءات فعلية متزايدة، حيث فرضت الولايات المتحدة تعريفات جمركية على مجموعة متنوعة من الواردات منها واردات من الصين بقيمة 200 مليار دولار، وطبق شركاؤها التجاريون أو هددوا بتطبيق إجراءات انتقامية وتدابير وقائية أخرى. وإذا زاد احتدام التوترات التجارية وزادت كثافة عدم اليقين المصاحب لها فيما يتعلق بالسياسات، يمكن أن يتأثر مزاج الأعمال والأسواق المالية، ويحدث تقلب في الأسواق المالية، ويتباطأ الاستثمار والتجارة. وإذا ارتفعت الحواجز التجارية، يمكن أن يحدث ارتباك في سلاسل العرض العالمية ويتباطأ نشر التكنولوجيا الجديدة، مما يسفر في نهاية المطاف عن تخفيض الإنتاجية والحد من الرخاء على مستوى العالم. ومن شأن زيادة قيود الاستيراد أن تؤدي إلى جعل أسعار السلع الاستهلاكية التجارية في غير المتناول، مما يلحق الضرر بالأسر منخفضة الدخل أكثر من أي فئة أخرى.  

ومن الممكن حدوث تضييق حاد للأوضاع المالية العالمية التي لا تزال ميسرة حتى الآن، وذلك إذا ما حدث تشديد أكثر حدة للسياسة النقدية في الاقتصادات المتقدمة أو إذا تحققت مخاطر أخرى فأحدثت تحولاً في مزاج الأسواق. ومن شأن هذه التطورات أن تكشف مواطن الضعف التي تراكمت على مدار سنوات، وتؤثر سلباً على الثقة، وتقوض الاستثمار (وهو محرك رئيسي وراء تنبؤات النمو الأساسية). وعلى المدى المتوسط، تنبع المخاطر من احتمال أن يستمر تراكم مواطن الضعف المالي، وتنفيذ سياسات اقتصادية كلية غير مستدامة في ظل آفاق محدودة للنمو، وزيادة مستمرة في عدم المساواة، وتراجُع الثقة في السياسات الاقتصادية الرئيسية. وهناك مجموعة من المخاطر غير الاقتصادية ولكنها مؤثرة أيضاً. وإذا تحققت هذه المخاطر، سترتفع احتمالات حدوث التطورات المعاكسة الأخرى.  

وتتيح بيئة التوسع المستمر فرصة متضائلة للتقدم في السياسات والإصلاحات التي تطيل أمد الزخم الحالي وترفع النمو على المدى المتوسط بما يعود بالنفع على الجميع، مع بناء هوامش أمان لمواجهة الهبوط الاقتصادي القادم وزيادة الصلابة أمام بيئة يمكن أن تشهد تضييقاً مفاجئاً وحاداً في الأوضاع المالية.  

توثيق التعاون: ينبغي للبلدان أن تعمل معاً لمعالجة التحديات التي تتجاوز حدودها الخاصة. وللحفاظ على المكاسب التي حققتها عقود من الاندماج التجاري العالمي القائم على القواعد وتوسيع نطاقها، ينبغي للبلدان أن تتعاون معاً لزيادة تخفيض تكاليف التجارة وتسوية الخلافات دون زيادة الحواجز التشويهية. وتعتبر الجهود التعاونية ضرورة أيضاً لاستكمال جدول أعمال إصلاحات التنظيم المالي، وتعزيز العمل الضريبي الدولي، وتقوية الأمن الإلكتروني، ومعالجة الفساد، وتخفيف آثار تغير المناخ والتكيف معه.

تخفيض التضخم إلى المستوى المستهدف، وبناء هوامش الأمان، وكبح الاختلالات المفرطة: ينبغي مواصلة التيسير النقدي حيثما كان التضخم ضعيفاً، ولكن العودة إلى السياسة العادية بشكل حذر وعلى أساس من الإفصاح الجيد والبيانات الكافية ينبغي أن تستمر حيثما كان التضخم قريباً من الهدف. وينبغي أن تهدف سياسة المالية العامة إلى إعادة بناء هوامش الأمان تحسباً للهبوط الاقتصادي القادم، كما ينبغي تصميم مكونات النفقات والإيرادات العامة على نحو يعزز الناتج الممكن ويدعم طابعه الاحتوائي. وفي البلدان التي بلغت مستوى التشغيل الكامل أو تقترب منه، مع عجز مفرط في الحساب الجاري وأوضاع غير قابلة للاستمرار على صعيد المالية العامة (ولا سيما الولايات المتحدة)، ينبغي أن يستقر مستوى الدين العام وصولاً إلى تخفيضه في نهاية المطاف، كما ينبغي سحب الإجراءات التنشيطية المسايرة للاتجاهات الدورية والتي تساهم في تصاعد الاختلالات العالمية وزيادة المخاطر التي تواجه الولايات المتحدة واقتصادات العالم. أما البلدان ذات الفوائض الزائدة في حساباتها الجارية والحيز الكافي في ماليتها العامة (مثل ألمانيا)، فينبغي أن تزيد من استثماراتها العامة لإعطاء دفعة للنمو الممكن وتخفيض الاختلالات الخارجية.

تعزيز إمكانات النمو الأعلى والأكثر احتواءً للجميع: ينبغي لكل البلدان أن تغتنم الفرصة لاعتماد إصلاحات هيكلية وسياسات ترفع الإنتاجية وتكفل تحقيق مكاسب واسعة النطاق – وذلك مثلاً بتشجيع الابتكار التكنولوجي ونشر التكنولوجيا، وزيادة المشاركة في سوق العمل (وخاصة من جانب النساء والشباب)، ودعم العمالة المُسَرَّحة بسبب التغير الهيكلي، والاستثمار في التعليم والتدريب لزيادة فرص العمل.  

بناء الصلابة: تواجه سياسات السلامة الاحترازية الكلية والجزئية تحديات بناء هوامش الأمان المالي، والحد من نسب الرفع المالي المتزايدة، والحد من المخاطرة المفرطة، واحتواء المخاطر التي تهدد الاستقرار المالي (بما في ذلك التهديدات التي يتعرض لها الأمن الإلكتروني). ففي منطقة اليورو، لا تزال الحاجة قائمة لمعالجة خلل الميزانيات العمومية. وفي اقتصادات الأسواق الصاعدة، ينبغي العمل على إبقاء الالتزامات الاحتمالية وأوجه عدم الاتساق في الميزانيات العمومية تحت السيطرة. وبالبناء على الجهود المبذولة مؤخراً، ينبغي أن تواصل الصين كبح النمو الائتماني ومعالجة المخاطر المالية، حتى إذا تباطأ النمو بصفة مؤقتة. ومن بين النتائج الأساسية التي يخلص إليها الفصل الثاني أن البلدان التي كانت ماليتها العامة أقوى قبل الأزمة المالية العالمية، والبلدان ذات النظم الأكثر مرونة لسعر الصرف، تكبدت خسائر أقل في الناتج. ومما يؤكد أهمية سياسات السلامة الاحترازية الكلية والرقابة الفعالة أن البلدان التي اتسمت بجوانب ضعف مالي أكثر من غيرها قبل الأزمة المالية العالمية تكبدت خسائر أكبر في الناتج. ويبرز التحليل الوارد في الفصل الثالث عدداً من الطرق المهمة التي يمكن أن تساعد اقتصادات الأسواق الصاعدة والاقتصادات النامية على حصد الثمار المرجوة من تقوية المؤسسات. وفي الوقت الراهن، حيث بدأت الأوضاع المالية العالمية تعود إلى نمطها المعتاد، يمكن تعزيز صلابة الاقتصاد في مواجهة الصدمات الخارجية المعاكسة باعتماد أطر أكثر مصداقية للسياسة النقدية تعمل على تثبيت توقعات التضخم بشكل فعال، نظراً لما يحققه ذلك من تحسين الموازنة بين التضخم والناتج.

زيادة تقارب الآفاق المتوقعة للبلدان النامية منخفضة الدخل: يتعين استمرار التقدم نحو أهداف التنمية المستدامة التي حددتها الأمم المتحدة لعام 2030 من أجل تشجيع المزيد من الأمن الاقتصادي وتحسين مستويات المعيشة لنسبة متزايدة من سكان العالم. ونظراً لمستويات الدين العام المرتفعة عموماً في البلدان النامية منخفضة الدخل، ينبغي لهذه البلدان أن تحقق تقدماً فارقاً لتعزيز مراكز ماليتها العامة، مع إعطاء أولوية للإجراءات الموجهة بدقة لتخفيض الفقر، وتعزيز صلابة النظم المالية. ويمكن أن يؤدي الاستثمار في رأس المال البشري، وتحسين فرص الحصول على الائتمان، وتخفيض ثغرات البنية التحتية إلى دعم تنويع الاقتصاد وتحسين القدرة على التكيف مع صدمات المناخ.