تقارير الراصد المالي

ملخص وافٍ للفصل الأول والثاني

أبريل 2018

ملخص وافٍ

الفصل الأول: استثمار فترات الرخاء

مع ما نشهده من قوة النمو واتساع نطاقه، أصبحت الفرصة متاحة للبدء في إعادة بناء هوامش الأمان المالية وتحسين الأرصدة الحكومية وتثبيت الدين العام. وسيؤدي تعزيز هوامش الأمان المالية في فترة الانتعاش الراهنة إلى خلق حيز لدعم المالية العامة تحسباً لتراجع النمو في نهاية المطاف، كما سيحول دون أن تصبح مواطن الضعف في المالية العامة مصدراً للضغوط إذا حدث تدهور في الأوضاع المالية.       

الدين المرتفع يبعث على القلق

وصل الدين العالمي إلى مستويات مرتفعة تاريخية، مسجلاً ذروة غير مسبوقة قدرها 164 تريليون دولار أمريكي في عام 2016، أي ما يعادل 225% من إجمالي الناتج المحلي العالمي . وقد تعمقت المديونية العالمية بواقع 12% من إجمالي الناتج المحلي مقارنة بما كانت عليه في فترة الذروة السابقة عام 2009، مدفوعة بمديونية الصين .

وللدين العام دور مهم في طفرة الدين العالمي، انعكاساً للانهيار الاقتصادي الذي حدث أثناء الأزمة المالية العالمية واستجابة السياسات في مواجهتها، بالإضافة إلى آثار هبوط أسعار السلع الأولية عام 2014 وسرعة نمو الإنفاق في حالة الأسواق الصاعدة والبلدان النامية منخفضة الدخل. ويبلغ متوسط دين الاقتصادات المتقدمة 106% من إجمالي الناتج المحلي – وهي مستويات غير مسبوقة منذ الحرب العالمية الثانية. وفي اقتصادات الأسواق الصاعدة والاقتصادات متوسطة الدخل، يبلغ متوسط الدين 50% من إجمالي الناتج المحلي – وهي مستويات شوهدت مثيلاتها آخر مرة أثناء أزمة الدين في ثمانينات القرن الماضي . وبالنسبة للبلدان النامية منخفضة الدخل، واصل متوسط الدين ارتفاعه السريع كنسبة من إجمالي الناتج المحلي حتى تجاوز40% اعتباراً من 2017. وبالإضافة إلى ذلك، نجد أن نصف هذا الدين تقريباً تم اقتراضه بشروط غير ميسرة، مما أسفر عن مضاعفة عبء الفوائد كنسبة من الإيرادات الضريبية في السنوات العشر الماضية. وترتكز ديناميكية الدين في كل البلدان على عجوزات أولية كبيرة بلغت مستويات قياسية في حالة اقتصادات الأسواق الصاعدة والاقتصادات النامية.

وقد أصبح العجز والدين الحكومي المرتفع مدعاة للقلق. فالبلدان ذات المديونية الحكومية المرتفعة معرضة لتشديد أوضاع التمويل العالمية بصورة مفاجئة، مما قد يعترض قدرتها على دخول الأسواق ويعرِّض النشاط الاقتصادي للخطر. وبالإضافة إلى ذلك، تشير التجارب السابقة إلى أن البلدان يمكن أن تقع تحت طائلة صدمات مفاجئة كبيرة في نِسَب الدين العام إلى إجمالي الناتج المحلي، مما قد يفاقم مخاطر تجديد الديون. وجدير بالذكر أن الدين والعجز الكبيرين يعوقان قدرة الحكومات على تنفيذ إجراءات قوية من خلال سياسة المالية العامة لدعم الاقتصاد في حالة الهبوط. وتشير التجربة التاريخية إلى أن ضعف مركز المالية العامة يزيد من عمق الركود ويطيل مدته – مثلما يحدث في أعقاب الأزمات المالية – لأن الحكومات تعجز عن استخدام سياسة المالية العامة بالقدر الكافي لدعم النمو. ومن المهم في هذا الصدد بناء حيز مالي يتيح فرصة للحركة، وخاصة بعد أن بلغ دين القطاع الخاص مستويات مرتفعة قياسية ومتصاعدة. وفي بعض البلدان، يتسبب الدين الخاص المفرط في تعريضها لمخاطر تخفيض نسب الرفع المالي بصورة مفاجئة ومكلفة.      

تعزيز الصلابة ودعم النمو

يستلزم الوضع الراهن تحركاً حاسماً لتعزيز هوامش الأمان المالية، والاستفادة الكاملة من فرصة الانتعاش الدوري الذي يشهده النشاط الاقتصادي. فمع عودة النمو إلى مستواه الممكن، يفقد التنشيط المالي فعاليته بينما تنكمش تكلفة الضبط المالي، مما يسهل التحول من التوسع المالي إلى الضبط المالي. وتجدر الإشارة إلى أن بناء هوامش الأمان الآن سيساعد على حماية الاقتصاد، سواء بخلق حيز في سياسة المالية العامة يسمح لها بالتدخل دعماً للنشاط الاقتصادي أثناء فترات الهبوط أو بالحد من خطر المصاعب التمويلية إذا تم تشديد الأوضاع المالية العالمية بصورة مفاجئة. وبصفة عامة، ينبغي أن تسمح البلدان لأدوات الضبط التلقائي (أي الضرائب والإنفاق اللذان يتحركان مع حركة الناتج والتوظيف) بأن تعمل بطاقتها الكاملة، مع بذل الجهود لوضع العجز والديون على مسار تنازلي ثابت في اتجاه الأهداف الموضوعة لهما على المدى المتوسط.

وينبغي معايرة التعديلات المطلوبة من حيث حجمها وسرعة تنفيذها حسبما يتناسب مع الأوضاع الدورية والحيز المالي المتاح في كل بلد، لتجنب تحميل النمو عبئاً مفرطاً. وينبغي تنفيذ الضبط المالي في الاقتصادات التي تعمل على مستوى الناتج الممكن أو قريباً منه وحيثما كانت مستويات الدين مرتفعة كنسبة من إجمالي الناتج المحلي. ففي الولايات المتحدة – حيث يتم التنشيط المالي في الوقت الذي يقترب فيه الاقتصاد من مستوى التشغيل الكامل، مما يُبقي العجز الكلي عند مستوى يتجاوز 1 تريليون دولار أمريكي (5% من إجمالي الناتج المحلي) على مدار الثلاث سنوات القادمة – ينبغي إعادة معايرة سياسة المالية العامة لضمان انخفاض الدين الحكومي كنسبة من إجمالي الناتج المحلي على المدى المتوسط. وحيثما كان الحيز المالي محدوداً، لا يصبح هناك خيار إلا القيام بجهود للضبط المالي بغية تخفيض المخاطر على المالية العامة، استناداً إلى سياسات داعمة للنمو متوسط الأجل. وهناك مجال لاستخدام سياسة المالية العامة لتيسير تنفيذ الإصلاحات الهيكلية الداعمة للنمو في بضعة اقتصادات متقدمة تتمتع بحيز مالي واسع وتعمل بطاقتها الكاملة أو شبه الكاملة. ورغم ما شهدته أسعار السلع الأولية من تعافٍ جزئي مؤخراً، ينبغي للبلدان المصدرة لهذه السلع أن تستمر في إجراءاتها التصحيحية لضمان اتساق الإنفاق مع الآفاق المتوقعة للإيرادات على المدى المتوسط. وهناك عدة بلدان منخفضة الدخل تحتاج إلى إفساح مجال في ميزانيتها العامة لكي يتسنى تنفيذ خطط البنية التحتية عن طريق تعبئة الإيرادات وترشيد الإنفاق وتحسين كفاءته.

وفي نفس الوقت، ينبغي أن يستمر تركيز كل البلدان على السياسات الكفيلة بتحسين آفاق النمو على المدى المتوسط. والواقع أن الإجراءات الداعمة للنمو لم تكن أولوية بالضرورة في عمليات الضبط المالي التي أُجريت مؤخرا في بعض البلدان، وهو ما يتضح من هبوط الإنفاق على الاستثمارات العامة كنسبة من إجمالي الناتج المحلي في عدد من الاقتصادات المتقدمة والبلدان المصدرة للسلع الأولية. وينبغي أن تركز الاقتصادات المتقدمة على السعي لرفع كفاءة الإنفاق وترشيد نظام المستحقات، لإفساح المجال أمام مزيد من الاستثمارات العامة، وزيادة حوافز المشاركة في سوق العمل، وتحقيق تحسينات في جودة الخدمات التعليمية والصحية. ويمكن أن تستفيد بعض الاقتصادات المتقدمة أيضاً من توسيع قواعدها الضريبية وتحسين تصميم نظمها الضريبية. وبالنسبة لاقتصادات الأسواق الصاعدة والاقتصادات النامية، تتمثل الأولوية في زيادة الإيرادات لتمويل الإنفاق الضروري على رأس المال المادي والبشري والاحتياجات الاجتماعية. وينبغي أن تعمل كل البلدان على تشجيع النمو الاحتوائي لتجنب عدم المساواة المفرط الذي يمكن أن يعوق التحركية الاجتماعية، ويضعِف التماسك الاجتماعي ومن ثم يضر بالنمو.

الفصل الثاني: الحكومة الرقمية

يستمر تحول العالم إلى التكنولوجيا الرقمية، ومثله في ذلك الحكومات، وإن كانت سرعة هذا التحول تتسم بالتفاوت الشديد. فكل حكومات البلدان تقريبا أصبحت لديها مواقع إلكترونية وطنية ونظم آلية للإدارة المالية. وتتيح الرقمنة فرصاً مواتية لسياسة المالية العامة مثلما تفرض عليها تحديات. فكيف يمكن للتحول الرقمي أن يغير تصميم السياسات وتنفيذها في الوقت الراهن وفي المستقبل؟ وما الذي يقف في سبيل ذلك؟

إن زيادة توافر المعلومات الحديثة والموثوقة والقدرة على الوصول إليها يمكن أن تُحْدِث تحولاً في طريقة عمل الحكومات. فالرقمنة يمكن أن تخفض التكاليف الخاصة والعامة المترتبة على الامتثال الضريبي وأن تحَسن كفاءة الإنفاق. وعلى سبيل المثال، تستطيع الحكومات استخدام الأدوات الرقمية للتعامل مع الممارسات الاحتيالية العابرة للحدود – فاعتماد الأدوات الرقمية يمكن أن يزيد تحصيل الضرائب غير المباشرة على الحدود بنسبة تصل إلى 1-2% من إجمالي الناتج المحلي سنوياً . كذلك يمكن أن تساعد الرقمنة الحكومات على تتبع ضرائب الثروة التي تتخذ من مناطق الاختصاص ذات الضرائب المنخفضة ملاذاً لها، والتي تقدر بمتوسط 10% من إجمالي الناتج المحلي العالمي . وبالرغم من أن هذه القاعدة الضريبية التي يتعذر الوصول إليها في العادة قد تنطوي على مكاسب منخفضة بالمعدلات الضريبية الحالية، فإن الرقمنة يمكن أن تسهل تحصيل ضرائب الدخل من المنبع في المستقبل، قبل أن تجد طريقاً للإفلات من السلطات الضريبية. وعلى جانب الإنفاق، توضح تجربتَي الهند وجنوب إفريقيا كيف يمكن أن تساعد الرقمنة في تحسين الحماية الاجتماعية وتوصيل الخدمات العامة.

وفي المستقبل، قد تتفاقم التحديات التي تواجه النظام الضريبي الدولي الحالي بسبب تزايد رقمنة الأعمال التجارية – وظهور كيانات رقمية عملاقة مثل غوغل وآبل وفيسبوك وأمازون. وتثير الرقمنة تساؤلات جديدة، ومنها كيف يمكن للمعلومات ذات القيمة التجارية التي يولدها مستخدمو الخدمات على شبكة الإنترنت أن تؤثر على حقوق البلدان في فرض الضرائب. وهل ينبغي للجوانب المتعلقة بالوجهة – أي مكان إقامة المستهلكين النهائيين – أن تساهم بدور أبرز في تحديد حقوق البلدان في فرض الضرائب؟ والواقع أنه من الأفضل تنسيق الجهود المبذولة لتعديل إطار الضرائب الدولية ومواءمته مع رؤية طويلة الأجل لهيكل الضرائب الدولية.

وينبغي أن تعمل الحكومات على تخفيف المخاطر الرقمية الجديدة. فالتفاعلات الرقمية مع الحكومات قد تفرض عبئاً غير متوازن على الأعمال الصغيرة والأسر الأقل دخلاً ذات الإمكانيات التكنولوجية المحدودة. ونجد أيضاً أن الرقمنة ذاتها تخلق فرصاً جديدة للاحتيال وإثارة الارتباك في الوظائف الحكومية، وهو ما يتضمن استخدام الوسائل الرقمية للتهرب من الضرائب أو المطالبة بمنافع غير مشروعة. وقد حدثت زيادة حادة في عمليات اختراق البيانات وانتهاك الخصوصية، مما يسلط الضوء على مواطن الضعف في الأنظمة الرقمية العامة.

إن الرقمنة ليست دواءً لكل داء، بل أمر يتطلب جدول أعمال للإصلاح يتخذ منظوراً استباقياً استشرافياً شاملاً. فعلى الحكومات أن تعالج مواطن ضعف سياسية واجتماعية ومؤسسية متعددة وأن تتعامل مع المخاطر الرقمية. وعليها أيضاً تخصيص موارد كافية في الميزانية لتمويل الاستثمارات في البنية التحتية الرقمية والأمن الإلكتروني. وأخيراً وليس آخراً، فإن الرقمنة تجعل التعاون الدولي ضرورة أكثر إلحاحاً.

لكن الرقمنة أصبحت تياراً طاغياً بالفعل، ومن المرجح أن تزداد سرعة. وللحكومات أن تختار بين السعي لمقاومتها ثم التكيف معها في وقت لاحق على مضض، أو استيعابها واستشرافها بل والمساهمة إلى حد ما في تشكيل صورتها.