تعزيز جدول أعمال النمو الاحتوائي في المنطقة العربية

12 يوليو 2018

دولة الرئيس،

أصحاب المعالي والسعادة،

أيها السيدات والسادة،

صباح الخير لكم جميعاً!

أشعرُ بسعادةٍ عارمَة لِوجودي هنا، بينَكُم، في مدينتي الحبيبة بيروت.

بيروت التي أؤمنُ بها وبقدراتِها الإبداعية،

وأعشقُ تنوعَها وانفتاحَها،

وأودُّ توجيهَ الشكر إلى مجموعة الاقتصاد والأعمال على تنظيمِها هذه المؤتمر، وعلى نشاطِها الدائم الذي لا يهدأ.

إنَّ أهميّةَ النموِّ الاحتوائيّ الذي سأتحدثُ عنهُ اليوم،

تكمنُ في إنّهُ يُلبّي تطلعاتِ الشعوب،

ويؤدي إلى خَلقِ الوظائف وتعزيز العدالة الإجتماعية.

واليوم، مع التحولاتِ التي تشهَدُها منطقةُ الشرق الأوسط، بل العالمُ كلُّهُ،

أصبحتِ الحاجةُ أكثر إلحاحاً لإجراء إصلاحاتٍ جريئةٍ ومُستمرَة،

تُحقّقُ النموَّ الاحتوائيّ.

فالنموُّ في الشرق الأوسط لا يزال دون المطلوب منذ الأزمة المالية العالمية،

وبالتالي فإن مستويات الدخل تشهدُ مراوَحَة، وفرصُ العمل غيرُ كافية.

إنَّ ضعفُ النشاطَ الاقتصاديَّ في المنطقة، لَهُ اسبابٌ هيكليةٌ داخلية.

كذلك هناكَ تحدياتٌ خارجيةٌ تَنعكِسُ سلباً على المنطقة واقتصادِها،

ومِنها تقلُّبُ أسعار السلع الأولية.

وفوقَ كلّ ذلك، أدّت النزاعاتُ الأمنية إلى زعزعَةِ استقرار المنطقة، وخيّمَت بظلالِها على نموّ اقتصاداتِها.

في ظل هذه المعطيات،

وفي ظلِّ بطالةٍ هيَ مِن الأعلى في العالم لدى الشباب، إذ يبلغ متوسطُها 25%،

هناك أكثر من 27 مليون شاب سيدخلونَ سوقَ العمل في المنطقة خلال السنواتِ الخمس المقبلة.

أيها السيدات والسادة،

إن الإصلاحاتِ الداعمةَ للنموِّ الاحتوائي، كفيلةٌ بتحقيق مكاسبَ كبيرةً.

فعلي سبيل المثال، إن زيادةَ التوظيفِ بمقدار 0.5 نقطةً مئوية إضافية سنويا،

يمكن أن تثمِرَ تَسارُعاً في نموِّ إجمالي الناتج المحلي الحقيقي إلى 5.5%،

وارتفاعاً لِدَخْل الفردِ الحقيقيّ بمقدار ٪3.8 سنوياً،

نظراً إلى ما يَتمتَعُ به شبَّانُ المنطقة من إمكاناتٍ هائلة ِّ إذا أتيحَت لهم الفرص، ولنا في شبابِ لبنان خيرُ مِثال على هذه القدرات.

ولَو تمَّ تضييقُ الفجوةِ بين الجنسين من حيث المشاركة في سوق العمل،

يُمكنُ مضاعفةُ النموِّ في بلدان المنطقة خلال عقدٍ واحدٍ مِنَ الزمن،

وزيادةُ الناتج التراكميّ بما يعادلُ تريليون دولار أميركيّ.

أما إذا حَوَّلت المنطقة جزءاً مِن إنفاقِها على دعم الطاقة،

بما يعادل نقطةً مئويةً واحدة من إجمالي الناتج المحلي،

إلى الإنفاق على البنية التحتية،

فتكون النتيجةُ زيادةَ إجمالي الناتج المحلي الحقيقي بمقدار نقطتين مئويتين،

وخلقَ 0.5 مليون وظيفة جديدة على مدار السنواتِ الستِّ المُقبلة.

وَمِن خِلال زيادةِ التمويل المتاح للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة حتى يصل إلى المستوى المتوسط في الأسواق الناشئة،

يمكنُ توفيرُ أكثرَ من 300 مليار دولار أميركيّ لزيادةِ استثمارات القطاع الخاص في المنطقة.

وبالفِعل، أيها السيدات والسادة،

إنَّ دولاً عديدةً في المنطقة وَضَعَت خلقَ الوظائف وتحقيقَ النموِّ الاحتوائيّ على رأس برامجها الإصلاحية،

وبعضُ هذه الدول،

إتخَذَ خطواتٍ لِتحسين الفرص الاقتصاديةِ والماليةِ المُتاحةِ للشباب والنساء،

وتشجيع القطاع الخاص وتنميتِهِ.

هناك بلدانٌ عديدةٌ تعملُ، مَثلاً، على الاستفادةِ مِنَ التكنولوجيا لتعزيز الشمول الاقتصاديّ والماليّ.

فمشاريعُ التكنولوجيا المالية في المنطقة زادَت سبعةَ أضعاف منذ عام 2009، في بلدانٍ مثلَ مصرَ ولبنان والأردن والإمارات العربية المتحدة.

الأردن، مثلاً، استحدثَ خدمةَ ( eFawateerCom ) ، وهي منصة إلكترونية تسمح بسداد الفواتير إلكترونياً ومن خلال الصراف الآلي. وتعالج هذه المنصة أكثر من مليون معاملة سنوياً وتربط مستخدميها بأكثر من 70 مليون متعامل على شبكة الإنترنت.

ومِنَ الإصلاحاتِ المهمّة التي نفّذَتْها دولٌ عِدّة من المنطقة، خطواتُ تحسين بيئةِ الأعمال،

والحَدِّ مِنَ الروتين الإداريِّ،

وتشجيع المشاريع الصغيرةِ والمتوسطة.

وفي هذا الإطار، تمكَّنَ المغرب من خلق نحو 85 ألف فرصة عمل في صناعة السيارات بفضل تحسين مناخ الأعمال وإنشاء مناطق للتجارة الحرة في الدار البيضاء وطنجة. وأصبح الآن قرابة 45% من قطع الغيار التي يحتاجها قطاع السيارات، يُصنع من موردين محليين.

إنَّ المنطقةَ بحاجةٍ ماسَّةٍ إلى مثل هذهِ الجهودِ للتكيُّفِ والتَحَوُّل، وهذه الأمثِلَةُ التي تناوَلْتُها، يجب أن تتَعَمَمَ على بلدانِ المنطقة،

لأنها تفتحُ آفاقاً لمستقبل أفضل يمكنُ فيه احتواءُ الجميع.

إنَّ صندوقَ النقد يؤمنُ بأنَّ ازدِهارَ المجتمعاتِ يَتحَققُ عندما تكونُ الفرصُ متاحةً للجميع،

ومِنَ المهمِّ جداً أن تستثمرَ دولُ المنطقة في شبابها وشاباتها الموهوبين،

وأن تعملَ لتعزيز فرصِ التواصل بالعالم والتفاعل معه.

وقد عقد الصندوق مؤتمرا في مطلع هذا العام في المغرب شارك في تنظيمه كل من حكومة المملكة المغربية وصندوق والصندوق العربي للإنماء الاقتصادي والاجتماعي وصندوق النقد العربي،

حضره اكثرَ من 300 مسؤول من عشرين بلداً في المنطقة،

مِن مسؤولين حكوميين، وممثلين للقطاع الخاص والمجتمع المدني وخبراءَ عالميين،

للتفكير معاً في كيفية التغلب على العقبات التي تَحولُ دونَ تنفيذِ سياساتِ النموِّ الاحتوائيِّ.

وفي الجلسةِ الأولى للمنتدى اليوم،

نطلقُ التقريرَ عن كيفية تفعيل هذه البرامج والسياسات على أرض الواقع،

وكلي ثقة من أننا سنختتمُ مناقشاتِنا بجدول أعمالٍ قابلٍ للتنفيذِ، لإعطاء دَفع للنموِّ الاحتوائيّ.

وجدولُ الأعمالِ ينبغي أن يركِّزَ على خَمْسِ أولويات:

الأولوية الأولى: كيف يمكن تشجيع قطاع خاص حيوي لتحقيق نمو أعلى ووظائف أكثر

وفي هذا الإطار، باتَ واضحاً أن النموذجَ القديم الذي تؤدي فيه الدولة دور المُشغِّل الأوَّل، لَمْ يَعُدْ قابلاً للاستمرار.

إنَّ القطاعَ الخاص ينبغي أن يتولى دوراً أكبر،

ويَتَطَلَّبُ ذلك إجراءاتٍ حكوميةً لِخَلقُ مناخ تنافُسيٍّ عادل لِلمؤسساتِ الخاصةِ والاستفادةِ مِنَ التجارةِ العالمية والتكنولوجيات الجديدة.

ويعني ذلكَ أيضاً أن تزدادَ استثماراتُ الشركاتِ داخلَ المنطقة،

وأن تُساهِمَ في نصيبها العادل مِنَ الاعباءِ،

وتتعاونَ مع القِطاع العام لِتحسين البنيةِ التحتية.

الأولويةُ الثانية في برنامَج تخقيق النموّ الإحتوائيّ هي دعمُ المجموعاتِ المُهَمَّشَة

وفي هذا الإطار، يجبً انتهاجُ سياساتٍ لإدماج الشباب والنساء وسكان الارياف، مِنْ خِلالِ إِعدادِهِم لِتَوَلّي وظائفَ لائقةٍ.

كمان إنَّ الشمولَ الماليَّ- بما في ذلك الاستفادةُ مِنَ التكنولوجيا المالية – يُشكِّلُ أداةَ تمكين مهمة. فهناك حوالي 70% من البالغين في المنطقة لا يملكون حسابات مصرفية.

الأولوية الثالثة في الطريق إلى النموّ الإحتوائيّ، هي كيفيةُ استخدام سياسةِ الماليةِ العامة للاستثمار في الموارد البشرية والبنية التحتية

وفي هذا المجال، يجب إعادةُ تصميم سياسة المالية العامة،

بحيثُ يتمُّ تخصيص حصةٍ أكبر لتحسين البنية التحتية في عددٍ كبير مِن دول المنطقة،

ولتعزيز شبكات الأمان الاجتماعي وخدمات والتعليم،

من خلال زيادةِ الإنفاق الاجتماعيِّ،

الذي يبلغ اليوم أقل من 11% من إجمالي الناتج المحلي،

مقارنةً بنسبة 19% في دول أوروبا الناشئة.

ومِنَ المهمِّ جداً ايضاً،

بناءُ قواعدَ ضريبيةٍ أوسعَ وأكثرَ إنصافاً وتصاعديةً،

تجعلُ الجميعَ يُساهِمُ بشكل عادل،

مع ضرورة توفير الحماية للفقراء.

الأولوية الرابعة، هي الاندماجُ في الاقتصادِ العالميّ.

فحسبَ تقديراتِنا، يمكنُ أن تؤدي زيادة انفتاح المنطقة على الاقتصادِ العالميّ،

إلى رَفْعِ النموِّ فيها بمتوسط نقطة مئوية واحدة،

وهو ما يشكِّلُ دَفْعاً هائلاً للنمو.

الأولوية الخامسة في جدوَل أعمالِ النموّ الإحتوائيّ، تتمثلُ في الحوكمةِ ومكافحةِ الفساد.

وفلي هذا الصَدَد، هناكَ حاجةٌ إلى استِئصال الفساد،

لأنهُ لا يزالُ عقبةً أساسيةً أمام نشاطِ القطاع الخاص وكفاءة القطاع العام.

ولِذا، ينبغي أن نركز على الشفافيةِ والحوكَمَةِ اللتَين تُشكِّلانِ نقطةَ ضعفٍ في المنطقة.

وفي الختامِ، أيها السيدات والسادة،

لا شكَّ في أنَّ النموَّ الاحتوائيّ مسؤوليةٌ مشتركةٌ بين الحكومة والقطاع الخاص والمجتمع كَكُلّ.

إن هذا النموَّ الاحتوائيّ،

يتطلَّبُ حكمةً جماعيةً وتَحَرُكاً جَماعياً أيضاً،

كما إنَّ إشراكَ الأطراف المتأثرة تأثراً مباشراً بالإصلاحات أمر ضروري.

لماذا؟

لأنَّ هذا النوع من الحوار يعزز الثقة ويبني الشعورَ بالملكية بما يضمنُ استمراريةَ هذه الإصلاحات وتأثيرَها الدائم.

إن بلدان المنطقة تملك الكثير من الإمكانات الواعدة.

فلدينا موروث تاريخي وثقافي ثريّ،

راسخُ الجذور في مجالَي العلوم والتجارة.

ولدينا أيضاً مواردُ هائلة.

وفوق ذلك كله، لدينا جيل موهوب من الشباب والشابات التواقين إلى العمل والطامحين لأن يكونوا أعضاء منتجين في المجتمع.

وعلينا بالتالي، الاهتمامُ بتطلعاتهم والارتقاء إلى مستوى توقعاتهم واحلامهم.

وشكراً!