عامل في موقع إنشاءات في جنوب إفريقيا: الفساد يقلل الموارد المتاحة للاستثمار العام، مما يولد تأثيرا سلبيا على النمو (الصورة: Per-Anders Pettersson/Gettyimages)

مكافحة الفساد مطلب أساسي لتحقيق النمو والاستقرار الاقتصادي الكلي — تقرير لصندوق النقد الدولي

7 يوليو 2016

  • الفساد يضعف النمو والتنمية الاقتصادية
  • التكاليف الاقتصادية والاجتماعية باهظة
  • الشفافية والمؤسسات الفعالة والقيادة عوامل رئيسية للنجاح

جاء في تقرير جديد أعده خبراء الصندوق أن العمل بقوة من أجل الحد من الفساد يُمَكِّن البلدان من تحسين الاستقرار الاقتصادي وإعطاء دفعة للنمو والتنمية.

إن الفساد العام، الذي يُعَرَّف بأنه سوء استغلال منصب عام لتحقيق مكسب خاص، يُلقي بأعباء ثقيلة على الاقتصادات في جميع مراحل التنمية. وتواجه الحكومات في أنحاء العالم التحدي المتمثل في معالجة قلق المواطنين المتزايد من الفساد المستشري مثلما يتبين من انتشار الفضائح مؤخرا في كثير من البلدان.

وقالت السيدة كريستين لاغارد، مدير عام صندوق النقد الدولي، "بينما التكاليف الاقتصادية المباشرة الناجمة عن الفساد معلومة تماما، فربما كانت التكاليف غير المباشرة أكبر وأشد وطأة، فهي تؤدي إلى انخفاض النمو وارتفاع عدم المساواة في الدخل. وللفساد كذلك تأثير أشد ضررا على المجتمع. إنه يقوض الثقة في الحكومة ويضعف المعايير الأخلاقية للمواطنين الأفراد."

وأضافت قائلة "وبالنظر إلى تأثير الفساد المحتمل على الاستقرار الاقتصادي الكلي والنمو الاقتصادي القابل للاستمرار، شارك صندوق النقد الدولي بفعالية في مساعدة البلدان الأعضاء على تصميم استراتيجيات مكافحة الفساد وتنفيذها"

ويشير التقرير الذي صدر اليوم بعنوان "الفساد: تكاليفه واستراتيجيات تخفيف حدته"، إلى أن الفساد يعوق إدارة سياسة الموازنة والسياسة النقدية ويضعف الإشراف المالي، ويضر في نهاية المطاف بالنمو الاحتوائي. ويعتمد التحليل المعروض في التقرير على دراسات اقتصادية موسعة حول هذا الموضوع وكذلك على الخبرة التي اكتسبها صندوق النقد الدولي من العمل مع كثير من البلدان. ويوضح التقرير أن هذا الموضوع "مؤثر على الاقتصاد الكلي" — أي أنه مطلب أساسي لتحقيق الاستقرار الاقتصادي الكلي، الذي يدخل في صميم صلاحيات الصندوق.

وبينما يصعُب قياس التكاليف الاقتصادية التي يسببها الفساد بدقة، فمن الممكن أن تكون باهظة. ويشير أحد التقديرات مؤخرا إلى أن التكلفة السنوية للرشوة تتراوح بين 1.5 و2 تريليون دولار تقريبا (حوالي 2% من إجمالي الناتج المحلي العالمي). وربما كان التكاليف الاقتصادية والاجتماعية الناجمة عن الفساد أكبر من ذلك بكثير.

كيف يعوق الفساد مسيرة النمو الاقتصادي

يذكر التقرير أن الفساد يؤثر على التنمية الاقتصادية بعدة طرق.

أولا، يُضعف قدرة الدولة على تعبئة الإيرادات وأداء وظائفها الأساسية. ويضر الفساد بثقافة الامتثال ويفضي بالتالي إلى مزيد من التهرب الضريبي. على سبيل المثال، عندما ينظر المواطنون إلى الإعفاءات الضريبية على أنها جزافية، يقل الحافز لديهم على سداد الضرائب. ونتيجة لذلك، تنخفض الإيرادات التي تحصلها الدولة وتعجز عن تقديم الخدمات العامة، مع ما لذلك من عواقب سلبية محتملة على النمو.

ثانيا ، يؤدي الفساد إلى تضخيم تكاليف عملية المشتريات الحكومية، فيقلل كمية الإنفاق العام ويخفض مستوى جودته. ويُمَكِّن كذلك من اختلاس الأموال من خلال المعاملات التي تُنَفَّذ خارج الموازنة. ويؤدي هذا الاختلاس إلى تقليل الموارد المتاحة للاستثمارات العامة وأوجه الإنفاق الأخرى ذات الأولوية، مما يوسع الفجوات في البنية التحتية ويؤثر على النمو.

ثالثا، يتسبب انخفاض الإيرادات العامة في زيادة اعتماد البلدان في الغالب على التمويل من البنك المركزي، مما يسفر عن التحيز للتضخم في البلد المعني. وفي نفس الوقت، فإن الفساد يزيد من ضعف الإشراف المالي ويهز استقرار النظام المالي. وينشأ ذلك من انخفاض مستوى ممارسات الإقراض والتنظيم وضعف الرقابة على البنوك.

أخيرا ، يمكن أن يصل تأثير الفساد إلى رفع تكاليف الدخول إلى الأسواق المالية لأن المقرضين يأخذونه في الحسبان. ويتفاقم الضرر الذي يصيب القطاع الخاص من الفساد لأنه يعمق مشاعر عدم اليقين لدى الشركات ويقف حجر عثرة أمام دخول شركات جديدة. وتُخصص الموارد للأنشطة الباحثة عن الريع بدلا من الأنشطة الإنتاجية.

وقد تترتب عليه كذلك تكاليف اجتماعية وبيئية باهظة. فانخفاض مخصصات البرامج الاجتماعية والموارد الضائعة من جراء الفساد تحد من بناء رأس المال البشري. وفي نفس الوقت، يؤدي ضعف قواعد تنظيم البيئة وسوء إنفاذها إلى زيادة التلوث واستخراج موارد طبيعية أكثر مما يلزم. وفي الحالات القصوى، من شأن الفساد المؤثر في النظام أن يؤدي إلى زعزعة الاستقرار السياسي واندلاع الصراعات. ويذهب التقرير إلى أن وفرة الموارد الطبيعية يمكن أن يزيد الوضع سوءا.

استراتيجيات تخفيف الفساد

بينما يقر التقرير بعدم وجود وصفة تصلح لجميع البلدان، يؤكد كذلك الأهمية البالغة لوضع منهج شامل. فالتدابير قصيرة المدى التي لها آثار فورية يجب أن تكملها تدابير وقائية مع الحزم في الإنفاذ. ويقدم التقرير إرشادات عملية لصناع السياسات، مبنية على منظور الصندوق تجاه مساعدة أعضائه على تصميم الإصلاحات الاقتصادية وتنفيذها، بما فيها استراتيجيات مكافحة الفساد. ويحدد التقرير أربع لبنات أساسية:

  • الشفافية مطلب أساسي: يتعين أن تعتمد البلدان المعايير الدولية لشفافية المالية العامة والقطاع المالي. ونتيجة لحصة الصناعات الاستخراجية النسبية في كثير من الاقتصادات، تكتسب الشفافية في هذا القطاع على وجه الخصوص أهمية بالغة. كذلك يتعين أن تدعم الحكومات المعايير الدولية لشفافية ملكية الشركات. ولحرية الصحافة كذلك دور رئيسي في الكشف عن ممارسات الفساد.
  • من أجل تعزيز سيادة القانون، يجب أن يكون هناك تهديد مؤكد بالملاحقة القضائية. وعملية الإنفاذ يجب أن تستهدف القطاع الخاص كذلك. ويجب، في حالات معينة، إنشاء مؤسسات متخصصة جديدة عندما تكون المؤسسات الموجودة بالفعل فاسدة. ويجب وضع إطار فعال لمكافحة غسل الأموال لتقليل غسل عائدات الفساد إلى أدنى حد.
  • الإفراط في التنظيم يولد البحث عن الريع الذي يُخصص بناء على تقدير المسؤولين العموميين ويجب القضاء عليه. فإلغاء القيود التنظيمية والتبسيط هما حجر الزاوية في استراتيجيات مكافحة الفساد بكفاءة. ومع هذا، فوضع إطار مؤسسي كاف في البداية يمثل مطلبا ضروريا عند التحول من الأسواق الاحتكارية الخاضعة لسيطرة الدولة (الاقتصادات الصاعدة في شرق أوروبا).
  • يقتضي الأمر وضع إطار قانوني واضح. ومع هذا، فلا جدوى من وضع أفضل الأطر ما لم تُطَبَّق. والتطبيق يعني وجود مؤسسات فعالة. وعلى وجه الخصوص، يتمثل أحد الأهداف الرئيسية في تطوير كادر من المسؤولين العموميين الذين يتسمون بالكفاءة ويتمتعون باستقلاليتهم عن التأثير الخاص والتدخل السياسي— ويفخرون بهذه الاستقلالية. وأخيرا، للقيادة دور أساسي حاسم. فيجب أن يكون القادة أنفسهم أمثلة يُحتذى بها وأن يضمنوا اتخاذ إجراء حاسم عند الحاجة.