(photo: Alamy)

(photo: Alamy)

مصر: نحو تحقيق الرخاء الاقتصادي

24 يوليو 2019

ساعدت الإصلاحات الاقتصادية في مصر على تعزيز النمو والحد من البطالة وزيادة احتياطيات النقد الأجنبي ووضع الدين العام على مسار تنازلي. وتهدف هذه الإصلاحات التي يدعمها  اتفاق بموجب تسهيل الصندوق الممدد من صندوق النقد الدولي بمبلغ قدره 12 مليار دولار إلى تحقيق نمو أكثر استدامة واحتواء لشرائح المجتمع بقيادة القطاع الخاص ويؤدي إلى تحسين مستويات المعيشة لجميع المصريين.  وفي مقابلة أجريناها مع السيد سوبير لال، رئيس فريق بعثة الصندوق إلى مصر، ناقشنا خلالها بدايات هذا البرنامج ومراحل تطوره وإنجازاته في وقت يقترب فيه من الانتهاء.

ماذا كانت أهم أهداف البرنامج؟

 قبل برنامج الإصلاح الاقتصادي كانت مصر تطبق سياسات اقتصادية كلية غير متسقة، مما أدى بحلول عام 2016 إلى تراكم اختلالات اقتصادية كبيرة. فقد أدت عجوزات الميزانية الكبيرة والسياسة النقدية التيسيرية وسعر الصرف الثابت إلى انخفاض بالغ في احتياطيات النقد الأجنبي وارتفاع التضخم وارتفاع الدين العام إلى مستويات لا يمكن الاستمرار في تحملها. وقد انخفضت معدلات النمو وارتفعت مستويات البطالة، خاصة بين النساء والشباب.

وكانت أهم أولويات البرنامج هي معالجة هذه القضايا واستعادة الاستقرار الاقتصادي الكلي وتجنب وقوع الأزمة. فعلى سبيل المثال، أدى التحول إلى نظام سعر الصرف المرن إلى استعادة التوازن في سوق الصرف الأجنبي، والقضاء على مشكلة نقص النقد الأجنبي. وبالإضافة إلى ذلك، أطلقت الحكومة المصرية خطة طموحة ثلاثية الأعوام لكبح عجز الميزانية الذي بلغ أعلى المعدلات على مستوى المنطقة حيث تجاوز 10% من إجمالي الناتج المحلي. كذلك قامت الحكومة بتضييق السياسة النقدية عن طريق رفع أسعار الفائدة. وقد كانت هذه الإجراءات بالغة الأهمية لتخفيض الدين العام كنسبة من إجمالي الناتج المحلي والحد من التضخم.

 وهناك عنصر آخر مهم في برنامج السلطات الإصلاحي وهو معالجة دعم الوقود الكبير، الذي كان يستنزف مبالغ طائلة من الميزانية. فقد أدى هذا الدعم إلى جعل سعر الوقود في مصر من أرخص الأسعار في العالم، مما شجع فرط الاستهلاك وعاد بالنفع على ميسوري الحال أكثر بكثير من الفقراء لأن أصحاب الدخول المرتفعة أكثر استهلاكا للوقود. وقد أدى الإلغاء التدريجي لدعم الوقود إلى إفساح مجال أكبر في الميزانية للإنفاق الاجتماعي الموجه بدقة أكبر للمستحقين، وزيادة الاستثمارات في مجالات الصحة والتعليم ومشروعات البنية التحتية العامة.

 هل لك أن تحدثنا عن عناصر الإنفاق الاجتماعي في البرنامج؟

 اقتضى التحول إلى نظام حديث للإنفاق الاجتماعي توسيع نطاق برامج التحويلات النقدية للوصول إلى الفئات الأشد احتياجا. فقد اتسع نطاق برنامج تكافل وكرامة، على سبيل المثال، من حوالي 200 ألف أسر ة إلى 2.3 مليون أسرة، أو 10 ملايين فرد تم تحديدهم بدقة باعتبارهم بحاجة للمساعدة الاجتماعية. وكانت هذه البرامج هي أكثر الطرق فعالية لضمان عدم تحمل الفقراء تكاليف هذه التصحيحات الاقتصادية. وقد اتسمت السياسة الاجتماعية التي ارتكز عليها برنامج تكافل وكرامة بأهميتها البالغة لضمان التأييد الشعبي للإصلاحات الأوسع نطاقا التي تحتاجها مصر في إطار سعيها لتحقيق الاستقرار الاقتصادي ووضع الأساس للنمو الأعلى والأكثر احتواء.

ما هي أهم انجازات البرنامج؟

لقد أحرز البرنامج هدفه الرئيسي المتمثل في تحقيق الاستقرار الاقتصادي الكلي، وهو أحد متطلبات جذب الاستثمارات وزيادة النمو وخلق فرص العمل.  فقد انخفضت مستويات عجز الحساب الجاري وارتفعت احتياطيات النقد الأجنبي إلى أعلى مستوياتها على الإطلاق. وتعافى النمو من حوالي 4% إلى 5.5% في الوقت الحالي، ومن المتوقع بلوغه 6% بحلول السنة القادمة، بينما انخفضت البطالة إلى أقل من 9% لتصل أدنى مستوياتها على مدار العقد الماضي. كذلك بدأ مستوى الدين العام في التراجع وانخفضت معدلات التضخم على نحو مطرد - لتمضي بذلك على المسار الصحيح نحو بلوغ مستوى الرقم الواحد في العام القادم. وبذلك يصبح في الإمكان تهيئة المسار لتنفيذ الإصلاحات الأوسع نطاقا، مثل تحسين مناخ الأعمال، الذي يمكن أن يؤدي إلى زيادة الاستثمارات بقيادة القطاع الخاص وخلق فرص العمل.

 وهناك انجاز آخر مرتبط على نحو وثيق بمحركات النمو والرخاء الأساسية. فإصلاح نظام دعم الوقود، على سبيل المثال، يؤدي إلى تحقيق أسعار صحيحة للوقود، لأن الأسعار إذا ما بدأت تعكس التكاليف ستتحسن أوضاع الاقتصاد من خلال زيادة كفاءة توزيع الموارد. فإذا أمكن جعل الأسعار النسبية تعكس التكاليف ستزداد استثمارات القطاع الخاص الموجهة للقطاعات التي تخلق المزيد من الوظائف، بدلا من القطاعات كثيفة استخدام رؤوس الأموال التي توفر فرص عمل أقل نسبيا ولكنها تستفيد من دعم الوقود. وهناك تغييرات أخرى، بما فيها زيادة التنافسية، وإصلاح نظام المشتريات العامة، وزيادة مستوى الشفافية في المؤسسات المملوكة للدولة سوف تساعد على تحسين فعالية الحكومة ورفع درجة كفاءتها. وستؤدي هذه الجهود كذلك إلى تحديث الاقتصاد لكي تصبح مصر طرفا فعالا أكبر في النظام التجاري العالمي - مع إتاحة الفرصة لها للاستفادة من النمو العالمي وليس فقط النمو المحلي.

مع قرب اكتمال برنامج الصندوق، كيف ينبغي لمصر التحرك في المرحلة القادمة؟

نرى أن هناك أولويتين في المرحلة القادمة. أولا، ترسيخ المكاسب التي تحققت بجهد شاق في سبيل استقرار الاقتصاد.  وثانيا، تعجيل تنفيذ الإصلاحات لإطلاق إمكانات الاقتصاد، مما يجعل القطاع الخاص قاطرة النمو.

 وفي الواقع العملي، نجد أن ذلك يعني ضمان المحافظة على الدعم الواقي الحالي من احتياطيات النقد الأجنبي عن طريق الحفاظ على نظام سعر الصرف المرن.  وينبغي أن يظل التضخم على مسار تنازلي، وكذلك الأمر بالنسبة للدين العام، الأمر الذي سيتيح حيزا أكبر للاستثمار في مجالات الصحة والتعليم والبنية التحتية.  أما الهدف الأشمل لهذه الإصلاحات فهو ضمان تزايد توجه الاقتصاد نحو السوق، بحيث يزداد تحول دور الدولة من قيادة النمو إلى تيسيره. ذلك أن مصر بحاجة بالفعل إلى 700 ألف فرصة عمل جديدة سنويا على الأقل لكي تستوعب أعداد السكان المتزايدة والتي يشكل الشباب نسبة كبيرة منها، ولن يتأتى لها ذلك إلا من خلال القطاع الخاص.