المملكة العربية السعودية: بيان خبراء الصندوق في ختام بعثة مشاورات المادة الرابعة لعام 2023
7 يونيو 2023
يصف البيان الختامي الاستنتاجات المبدئية التي يخلص إليها خبراء الصندوق في ختام زيارة (أو "بعثة") رسمية إلى بلد عضو في معظم الحالات. وتوفَد البعثات باعتبارها جزءا من المشاورات المنتظمة (السنوية في العادة) بمقتضى المادة الرابعة من اتفاقية تأسيس الصندوق، في إطار ما يجري من مناقشات بشأن البرامج التي يتابعها خبراء الصندوق، أو في إطار ما يجريه الخبراء من عمليات متابعة أخرى للتطورات الاقتصادية.
وقد وافقت السلطات الوطنية على نشر هذا البيان. وتعبر الآراء الواردة في هذا البيان عن وجهات نظر خبراء الصندوق ولا تمثل بالضرورة آراء مجلسه التنفيذي. وبناء على الاستنتاجات الأولية التي خلصت إليها هذه البعثة، سيقوم خبراء الصندوق بإعداد تقرير يقدَّم إلى المجلس التنفيذي، بعد موافقة الإدارة العليا، للمناقشة واتخاذ القرار.واشنطن العاصمة : يشهد الاقتصاد السعودي حالة من الازدهار بفضل ارتفاع أسعار النفط، والتحسن القوي في مستويات الاستثمار الخاص، وتنفيذ الإصلاحات. فقد بلغ فائض الحساب الجاري أعلى مستوياته خلال عشر سنوات، كما أمكن احتواء التضخم. ويقتضي عدم اليقين الذي يخيم على الاقتصاد العالمي – مؤثرا على الأوضاع المالية وأسعار النفط – مواصلة بذل الجهود لبناء المزيد من الاحتياطيات الوقائية وتنويع الأنشطة الاقتصادية. وستساهم مواصلة الإصلاحات المالية مستقبلا، إلى جانب المعايرة الدقيقة لبرامج الاستثمار، في تعزيز استدامة المالية العامة والمركز الخارجي، في الوقت الذي سيساعد فيه تنفيذ خطة الإصلاحات الهيكلية المبهرة في تحقيق نمو قوي وشامل وأكثر استدامة.
آخر التطورات الاقتصادية
خلال عام 2022، كانت المملكة العربية السعودية الأسرع نموا بين اقتصادات مجموعة العشرين. فقد بلغ النمو الكلي 8,7% بفضل قوة الإنتاج النفطي ونمو إجمالي الناتج المحلي غير النفطي بنسبة 4,8% الناتج عن صلابة مستويات الاستهلاك الخاص والاستثمارات الخاصة غير النفطية، بما في ذلك المشروعات العملاقة. وشملت المحركات الأساسية للنمو غير النفطي تجارة الجملة والتجزئة وقطاعي البناء والنقل. وحسب التقديرات، أمكن سد فجوة الناتج خلال عام 2022، ولا يزال الزخم مستمرا خلال عام 2023، حيث تشير التنبؤات الآنية إلى تجاوز النمو غير النفطي 5% في النصف الأول من عام 2023.
وقد بلغ معدل البطالة في المملكة أدنى مستوياته. فمع زيادة نسب المشاركة في القوة العاملة، تراجع مجموع البطالة إلى 4,8% مع نهاية عام 2022 – مقابل 9% خلال جائحة كوفيد – وهو ما يعكس ارتفاع أعداد العاملين السعوديين في القطاع الخاص، وتزايد العاملين الوافدين مجددا مقارنة بمستويات ما قبل الجائحة (ويتركز معظمهم في قطاعي البناء والزراعة). ومقارنة بالعامين السابقين، تراجع معدل بطالة الشباب إلى النصف مسجلا 16% في عام 2022، بينما بلغت نسبة مشاركة الإناث في القوة العاملة 36% في عام 2022، متجاوزة نسبة الثلاثين بالمائة المستهدفة في إطار رؤية 2030.
ورغم ازدهار النشاط الاقتصادي، لا يزال التضخم منخفضا، كما يبدو أنه آخذ في التراجع حاليا. ففي عام 2022، سجل متوسط الرقم القياسي لأسعار المستهلك نموا بنسبة 2,5% على أساس سنوي مقارن، وأمكن احتواؤه جزئيا بفضل الدعم المحلي وفرض حدود قصوى للأسعار وقوة الدولار الأمريكي. وفي إبريل 2023، عادت مستويات التضخم الكلي إلى 2,7% على أساس سنوي مقارن رغم ارتفاعها في أوائل عام 2023 إلى 3,4% على أساس سنوي مقارن، حيث تراجعت مساهمات أسعار النقل والغذاء لتوازن الزيادة الهائلة في الإيجارات. ولا يزال متوسط الأجور ثابتا رغم ضغوط الأجور الملاحظة في شريحتي العمالة منخفضة المهارات والعمالة عالية التخصص.
وساهم ارتفاع أسعار النفط وزيادة الإنتاج النفطي في تحسين أوضاع الحساب الجاري، حيث بلغ الفائض عام 2022 أعلى مستوياته خلال 10 أعوام. وسجل فائض إجمالي الناتج المحلي 13,6%، دون أن يؤدي ذلك إلى زيادة مماثلة في مستويات الاحتياطيات الرسمية بسبب تراكم الكثير من الأصول في الخارج.وسجلت الاحتياطيات تراجعا قدره 30 مليار دولار أمريكي في إبريل 2023 مقارنة بعام 2022 – وإن كانت لا تزال في مستويات مطمئنة (حيث يبلغ غطاء الواردات 20 شهرا تقريبا).
آفاق الاقتصاد – توقعات إيجابية ومخاطر متوازنة
يُتوقع أن يظل زخم النمو غير النفطي قويا. فبينما قد يؤدي خفض الإنتاج بموجب اتفاقية أوبك+ في إبريل 2023 إلى تراجع النمو الحقيقي الكلي إلى 2,1%، يُتوقع أن يصل متوسط النمو غير النفطي إلى 5% في عام 2023، ليظل متجاوزا لمستواه الممكن بفضل الإنفاق الاستهلاكي القوي والتعجيل بتنفيذ المشروعات ودورهما في تعزيز الطلب.
وخلال عام 2023، سيمكن احتواء التضخم الكلي، حيث يبلغ متوسط الرقم القياسي لأسعار المستهلك 2,8%، ليتجاوز قليلا مستواه في عام 2022، وإن كانت قوة العملة وإعانات الدعم والحدود القصوى على أسعار البنزين توازن الضغوط التضخمية الناتجة عن انحسار حالة الركود في أسواق العمل وازدهار الاقتصاد غير النفطي.
ومن المتوقع تراجع التحسن الهائل في أوضاع الحساب الجاريمع استقرار أسعار النفط وتزايد الواردات بدعم من برنامج الاستثمارات الضخم. وعلى المدى المتوسط، يُتوقع تراجع تغطية الاحتياطيات للواردات عن مستواها الحالي بدرجة طفيفة، وإن كانت ستظل أعلى كثيرا مقارنة بمستويات كفاية الاحتياطيات القياسية.
وتكتنف الآفاق مخاطر متوازنة. فعلى الجانب الإيجابي، سيتسنى دعم النمو بفضل ارتفاع أسعار النفط – في ظل استمرار توقعات قوة الطلب على النفط خلال الجزء المتبقي من العام – والتغير المحتمل في حجم تخفيضات الإنتاج النفطي المنصوص عليها في اتفاقية أوبك+ والإصلاحات الهيكلية العاجلة والاستثمار. وفي المقابل، يمكن أن يؤدي التعجيل بزيادة الاستثمارات غير النفطية إلى ارتفاع مستمر في الطلب المحلي، مما يفرض ضغوطا على الأسعار والحسابات الخارجية. وعلى جانب التطورات السلبية، يمثل تراجع أسعار النفط نتيجة تباطؤ النشاط العالمي أحد أهم المخاطر على المدى القصير، بينما يمكن أن يؤدي تحول اتجاهات الطلب على الوقود الأحفوري بوتيرة أسرع من المتوقع إلى تعطيل النمو على المدى المتوسط إلى الطويل.
السياسات
سياسة المالية العامة – مواصلة الطريق نحو تعزيز الاحتياطيات الوقائية وتحقيق العدالة بين الأجيال
ساهمت ديناميكيات أسواق النفط المواتية في تعزيز وضع المالية العامة، مما أتاح الحيز لتجاوز الإنفاق المقرر في الميزانية المبدئية . وفي عام 2022، سجلت المالية العامة فائضا – للمرة الأولى منذ عام 2013 – بما يعادل نصف التوقعات الأولية للخبراء البالغة 5,5% من إجمالي الناتج المحلي، وهو ما يعكس أساسا زيادة السلع والخدمات والإنفاق الرأسمالي. فحسب التقديرات، بلغت المصروفات الإضافية 2,5% تقريبا من إجمالي الناتج المحلي، وتمثل نفقات استثنائية غير متكررة (نصفها تقريبا في صورة سلع وخدمات). ويعد الدين العام منخفضا وفي حدود يمكن الاستمرار في تحملها، حيث بلغ 23% من إجمالي الناتج المحلي، مع توافر الحيز المالي اللازم للتصدي للعوامل المعاكسة المحتملة.
وفي عام 2023، قد يؤدي تراجع الإيرادات النفطية إلى تحول المالية العامة من الفائض إلى العجز مجددا . ومن شأن قوة الإيرادات غير النفطية وتراجع الإنفاق – نتيجة خفض المصروفات الاستثنائية أساسا – تحسين العجز غير النفطي، وإن كان سيظل أعلى كثيرا من مستواه في الميزانية. وربما تساهم الزيادة المحتملة في الأرباح الموزعة من شركة أرامكو في تحسين وضع المالية العامة.
وعلى المدى المتوسط، سيكون من الضروري مواصلة الضبط المالي لضمان العدالة بين الأجيال . وتشير تحليلات الخبراء إلى أن تجاوز مستويات الإنفاق المقررة (حتى عام 2030) قد يطيل الفترة الانتقالية لحين بلوغ الموقف المالي المرجو على المدى المتوسط لاستقرار نسبة صافي الأصول المالية للحكومة المركزية. وتؤيد البعثة خطط السلطات الهادفة إلى مواصلة توخي الحصافة المالية وضبط أوضاع المالية العامة على المدى المتوسط. وللتخفيف من المخاطر الناجمة عن تقلبات أسعار النفط، توصي البعثة بمواصلة التصحيح المالي استنادا إلى الإصلاحات الهائلة التي بدأتها المملكة بالفعل:
- ينبغي مواصلة إيلاء الأولوية لجمع الإيرادات غير النفطية . وينبغي أن تستند الإصلاحات الضريبية إلى جهود حثيثة نحو سد الفجوة الضريبية مقارنة بمتوسط مجموعة العشرين، بما في ذلك من خلال إصلاحات أوسع نطاقا لتثبيت معدل ضريبة القيمة المضافة ليكون 15% بحد أدنى وترشيد النفقات الضريبية. وينبغي أن تقترن هذه الإصلاحات بتعزيز الإدارة الضريبية.
- إصلاحات أسعار الطاقة: اتخذت المملكة تدابير جديرة بالترحيب خلال الفترة 2021-2022 – مثل زيادة أسعار الديزل والأسفلت التي تحظى بدعم كبير – ولكنها لم تكن كافية للحيلولة دون زيادة دعم الطاقة في عام 2022 (مقيسا بحجم التعويضات الحكومية المقدمة إلى شركة النفط الوطنية، أرامكو). لذلك، فإلى جانب الزيادة الكبيرة في أسعار الديزل المنفذة بالفعل عام 2023، توصي البعثة بالمضي قدما بزيادة الحد الأقصى لأسعار البنزين وتصحيح الصيغة الحالية للتعجيل برفع أسعار الكهرباء وأنواع الوقود الأخرى.
- تعزيز شبكة الأمان: ترحب البعثة بوضع استراتيجية جديدة للحماية الاجتماعية وإطلاق السجل الاجتماعي الموحد. وتوصي بتوسيع نطاق البرامج الاجتماعية التي تستهدف الفئات المستحقة بدقة بالتوازي مع تسريع وتيرة إلغاء دعم الطاقة – مثل برنامج "ضمان" الموجه لذوي الاحتياجات. ويمكن دعم هذا التوجه من خلال الوفورات المحتملة من تخفيض التغطية المتاحة لبرنامج "حساب المواطن".
- ترشيد النفقات: من أهم الأولويات في هذا الصدد مواصلة ترشيد فاتورة الأجور في القطاع العام، بما في ذلك من خلال مواصلة التخطيط الاستراتيجي وإجراء المراجعات اللازمة للقوى العاملة، وتعزيز كفاءة الاستثمارات العامة، بما في ذلك من خلال الجهود الجارية لهيئة كفاءة الإنفاق والمشروعات الحكومية، وتحقيق الاستفادة الكاملة من سلسلة الإنفاق (منصة اعتماد).
وينبغي تعزيز الجهود الجديرة بالترحيب التي تبذلها الحكومة السعودية للفصل بين الإنفاق وتقلبات أسعار النفط من خلال وضع قاعدة للمالية العامة وتطبيقها بحسم. وينبغي أن تتجنب هذه القاعدة القفزات المفاجئة في الإنفاق والتي تحيد عن إطار المالية العامة متوسط الأجل وأن تستند إلى ركيزة طويلة المدى للمالية العامة تساعد المملكة العربية السعودية بشكل أفضل على تحقيق أهدافها للنمو والاستقرار. وتشكل التحركات التي ترمي إلى تعزيز إطار المالية العامة متوسط الأجل، وتحسين تنبؤات الميزانية، وإدارة النقدية، وتعزيز المزيد من الإفصاح، وتوسيع نطاق تغطية القطاع العام، بما في ذلك صندوق الاستثمارات العامة (صندوق الثروة السيادية) وصندوق التنمية الوطني شروطا أساسية مهمة لضمان فعالية قاعدة المالية العامة.
ويجدر الترحيب بالتقدم المُحرز نحو وضع إطار لإدارة الأصول والخصوم السيادية كما ينبغي تعجيل وتيرته، كما أن العمل الجاري على إعداد ميزانية عمومية للقطاع العام جدير بالثناء. فمن شأن ذلك المساعدة على التحرك نحو تطبيق إطار إدارة الأصول والخصوم السيادية الذي سيسمح للحكومة بمراقبة الانكشافات في الميزانيات العمومية للكيانات السيادية على نحو متكامل، وإدارة المخاطر المحددة بقدر أكبر من الكفاءة. ومن ثم، فإن هذا الإطار سيمكِّن الحكومة من تقييم الالتزامات الاستثمارية مستقبلا وتمويلها بطريقة شاملة وإدارة ديون القطاع العام وأصوله على نحو يحقق قدرا أكبر من مردودية التكلفة.
السياسة النقدية – إدارة السيولة ودعم نظام ربط سعر الصرف بعملة ارتكاز
أمكن تخفيف أزمات السيولة التي ظهرت في 2022.ومع تجاوز التوسع الائتماني لنمو الودائع، اتسعت الفروق بين سعر الفائدة السائد بين البنوك السعودية وسعر الفائدة السائد بين بنوك لندن على القروض لثلاثة أشهر إلى ما يزيد على 150 نقطة أساس خلال شهري يونيو وأكتوبر 2022. وقد ساعد تدخل البنك المركزي في المرتين على تخفيف ضغوط السيولة مع عودة فروق أسعار الفائدة الطبيعية في الوقت الحاضر إلى متوسطاتها التاريخية.
ويظل نظام ربط سعر الصرف بالدولار الأمريكي ملائما نظرا للهيكل الاقتصادي الحالي. فقد عادت هذه السياسة بالنفع على البلاد حيث ساعدت على دعم الاستقرار النقدي.وفي ظل وجود حساب رأسمالي مفتوح، يُتوقع أن تواصل أسعار الفائدة الأساسية التحرك اتساقا مع سعر الفائدة الأساسي في الاحتياطي الفيدرالي، بينما تضمن علاوات المخاطر الوصول إلى مستوى ملائم من فروق العائد لدعم نظام ربط سعر الصرف. ولتحقيق هذا الهدف، ينبغي أن يواصل إطار السياسة النقدية السعي إلى الحفاظ على اتساق سعر الفائدة بين البنوك مع سعر الفائدة الأساسي من خلال مواصلة استخدام أدوات قائمة على السوق (مثل عمليات السوق المفتوحة). ويمكن دعم ذلك من خلال تحسين التنبؤ بالسيولة – التنسيق بعناية مع كل المؤسسات (بسبل منها معايرة عملية التنفيذ الجارية لحساب الخزانة الموحد).
سياسات القطاع المالي – الاستمرار في توخي اليقظة
الجهاز المصرفي لا يزال على مسار قوي. وتتسم نسبة كفاية رأس المال الإجمالية بأنها قوية، ومستوى الربحية مرتفع – تحركه هوامش الفوائد الصافية – ويتجاوز مستويات ما قبل الجائحة، كما أن نسبة القروض المتعثرة منخفضة وآخذة في التراجع. وبينما تراجع نمو الرهون العقارية مؤخرا، لا يزال الطلب على القروض المرتبطة بالمشروعات والقروض الاستهلاكية قويا، وهو ما يساعد على موازنة التأثير على الربحية الناجم عن تكاليف التمويل المتزايدة المرتبطة بارتفاع أسعار الفائدة وزيادة حصة الودائع لأجل والودائع الادخارية في التزامات البنوك. ولم تكن هناك تداعيات مباشرة تُذكر من انهيار بنك كريدي سويس والعديد من البنوك متوسطة الحجم في الولايات المتحدة.
وقوة أداء البنوك ترتكز على الجهود الجارية لتحديث الأطر التنظيمية والرقابية . ومما يساعد على الحد من المخاطر في الوقت الراهن تعميم إطار رقابي يقوم على المخاطر ويعتمد على نتائج عملية التقييم الداخلي لكفاية رأس المال المنتظمة، واعتماد شروط المعيار الدولي لإعداد التقارير المالية رقم (9) الخاص بالبنوك والتطبيق الكامل للإصلاحات النهائية بموجب اتفاقية بازل 3 المتعلقة برأس المال الإلزامي. وأُلغيت بالتدريج في عام 2022 ومطلع 2023 الإجراءات التنظيمية المؤقتة التي بدأ تطبيقها عام 2020 في مواجهة جائحة كوفيد-19 (وتضمنت تأجيل سداد القروض وبرامج الإقراض المضمون) ولم يسفر ذلك حتى الآن عن أي تأثير على جودة الأصول. وترحب البعثة بالتقدم المُحرز في تعديل نظام مراقبة البنوك وتحث على سرعة اعتماده.
رغم انتعاش القروض العقارية في السنوات الأخيرة، تشير التقييمات إلى أن المخاطر التي يفرضها قطاع الإسكان على القطاع المصرفي لا تزال محدودة حتى الآن. فقد ازدادت القروض العقارية منذ عام 2018 تدفعها المبادرات في ظل برنامج الإسكان السعودي، فأصبحت تشكل جزءا كبيرا من محافظ البنوك. غير أن المخاطر التي تنشأ من الإقراض العقاري لا تزال قيد الاحتواء نسبيا. ورغم سرعة ارتفاع أسعار المساكن في عدد قليل محدد من المدن أو المناطق، ليس ثمة ما ينذر بحدوث فورة في النشاط، ولا تزال أسعار المساكن في المملكة العربية السعودية معتدلة مقارنة باقتصادات منطقة مجلس التعاون الخليجي الأخرى. وتُقَدَّم معظم الرهون العقارية بدعم كما أنها تصدر بسعر فائدة ثابت، مع ربط حق الرجوع الكامل ودفعات السداد مباشرة بضمان الرواتب، مما يساهم في انضباط عمليات السداد.
ومع هذا، ينبغي أن تتوخي الحكومة اليقظة المستمرة. فسرعة نمو الائتمان – بما فيه القروض العقارية – تدعو إلى مواصلة المراقبة الوثيقة لممارسات مراجعة إجراءات القروض وإدارتها في البنوك. ومن الأمور التي تكتسب أهمية بالغة الكشف المبكر عن المقترضين والانكشافات في حالات المديونية الحرجة، وإثبات حالات التخلف عن سداد القروض في الوقت المناسب، ورصد مخصصات كافية لها. وترحب البعثة بعمليات التفتيش الميدانية لبحث قضايا معينة والتي يجريها البنك المركزي السعودي في البنوك مع التركيز على استعراض محافظ قروض الشركات أو تقييم محافظ القروض العقارية. وإذا ظل نمو الائتمان قويا، ينبغي النظر في تشديد المبادئ التوجيهية/القواعد التنظيمية الاحترازية الكلية بالتدريج وإلغاء الحوافز التي تقدمها المالية العامة على مراحل. وفي هذا الصدد، فإن التقييم السنوي الجاري لرأس المال الوقائي في مواجهة تقلبات الدورة الاقتصادية الذي يقوم به البنك المركزي يأتي في الوقت المناسب تماما.
الإصلاحات الهيكلية – تحقيق نمو قوي ومستدام وشامل وأكثر خضرة
تنفيذ خطة الإصلاح في ظل "رؤية السعودية 2030" لا يزال مستمرا دون معوقات نحو تحقيق اقتصاد منتج وأخضر. وأُجريت عملية حصر في منتصف الفترة للأهداف المحددة في ظل "رؤية السعودية 2030" أوضحت مدى التقدم على صعيد التحول الرقمي، والبيئة التنظيمية والخاصة بالأعمال، وانضمام المرأة للقوى العاملة، وزيادة استثمارات القطاع الخاص – وخَلُصَت في بعض الحالات إلى أنه قد تم بالفعل تجاوز الأهداف المحددة لعام 2030. ويمكن مواصلة تعزيز نمو القطاع الخاص وزيادة الإنتاجية الكلية لعوامل الإنتاج من خلال العمل الجاري لإعطاء دفعة لرأس المال البشري في ظل برنامج تنمية رأس المال البشري، وترشيد الرسوم المتعددة، وزيادة إمكانات الحصول على التمويل، وسن نظام جديد بشأن الاستثمار، وتعزيز الحوكمة.
خطة السياسة الصناعية التي وضعتها الحكومة من المنتظر أن تدعم جهود الإصلاح الهيكلي المثيرة للإعجاب. وتهدف الاستراتيجية الوطنية للصناعة في المملكة العربية السعودية إلى الحد من اعتماد المملكة على النفط من خلال عمليات التدخل الموجهة، وتوفير الحوافز، وإنشاء المناطق الاقتصادية الخاصة. وينبغي تقليص المخاطر المقترنة بعمليات التدخل إلى أدنى حد بوسائل منها التركيز بصفة خاصة على التوجه نحو التصدير.وينبغي تقييم عملية إنشاء المناطق الاقتصادية الخاصة بانتظام لضمان فعالية روابطها بالاقتصاد الأوسع، وذلك بوسائل منها النهوض بالمستوى التكنولوجي وتدريب أصحاب المهارات.وتشير البعثة إلى الجهود المتواصلة لمراقبة الحوافز الضريبية، وترحب بخطط الحكومة لإدراج معايير صارمة لإلغاء هذه الإعفاءات، ووضع آليات للعدول عنها، وتطبيق شروط البطلان التلقائي، وربط الحوافز بنطاق زمني محدد.
ويتعين توخي الحرص في معايرة برامج الاستثمار المختلفة لضمان تحقيق آثار حافزة. ومن شأن تحسين عمليات اختيار المشروعات الحكومية وتقييمها ودراسة جدواها أن يساعد على تحسين كفاءة الاستثمار العام في المملكة العربية السعودية. ويكتسب وضع نظام موحد لإدارة الاستثمارات العامة أهمية بالغة لضمان استخدام نفس المعايير الدقيقة على مستوى المملكة ككل، بما في ذلك للمشروعات العملاقة. وينبغي تطبيق مبادئ توجيهية شاملة – تتضمن استخدام إطار الحكومة المركزية الجديد لعلاقات الشراكة بين القطاعين العام والخاص – على جميع المشروعات التي تُمَوَّل بضمانات حكومية. وينبغي الاستمرار في مراقبة عمليات تدخل صندوق الاستثمارات العامة بانتظام والتي تهدف إلى إطلاق أنشطة جديدة، بهدف ضمان تأثيرها الحافز وتجنب مزاحمتها لنشاط القطاع الخاص.
تطبيق "مبادرة السعودية الخضراء" مطلب ضروري لتحقيق هدف الانبعاثات الصافية في المملكة العربية السعودية . وترحب البعثة بالخطط الجارية لزيادة مصادر الطاقة المتجددة بطاقة إنتاجية إضافية قدرها 2,1 غيغا واط بحلول عام 2024، وتوليد وفورات من خلال البرامج التي تهدف إلى تحقيق الكفاءة (ترشيد)، ونشر احتجاز الكربون، وتكنولوجيات الاستخدام والتخزين، ولجعل المملكة البلد الرائد في تصدير الهيدروجين على مستوى العالم. ومن شأن وضع تفاصيل المبادرات المحددة المرتبطة بكل هدف أن يساعدا على تقييم التقدم والتعديل اللازم للحد من الانبعاثات بما يصل إلى 278 مليون طن سنويا بحلول عام 2030 والوصول إلى هدف المملكة العربية السعودية للوصول إلى مستوى انبعاثات صفرية صافية بحلول عام 2060. وتشير تقديرات خبراء الصندوق إلى أن إلغاء دعم الوقود بحلول عام 2030 سيساعد الحكومة على تحقيق ثلث هدفها لخفض الانبعاثات بحلول 2030.
***********
يود فريق البعثة توجيه الشكر إلى حكومة المملكة العربية السعودية وجميع الأطراف الذين التقى بهم الفريق من خارج القطاع الحكومي على تعاونهم الوثيق وتخصيص جانب كبير من وقتهم للمشاركة في الاجتماعات، وعلى ما اتسمت به المناقشات من وضوح ومعلومات مثرية.
إدارة التواصل، صندوق النقد الدولي
قسم العلاقات الإعلامية
مسؤول الشؤون الصحفية: Wafa Amr
هاتف:7100-623 202 1+بريد إلكتروني: MEDIA@IMF.org