مجلة التمويل والتنمية, ديسمبر 2017 • المجلد 54 • العدد 4    النص

وعد التكنولوجيا

تأمل الحكومات في الشرق الأوسط أن يحفز أصحاب المشروعات الرقمية النمو الاقتصادي — وأن يخلقوا فرص عمل للشباب

كامبل ماكديارميد

بدأ طارق نصر في السابعة عشرة من عمره أول شركة له مصنعا ملابس مثل قمصان كرة السلة. وبعد مرور 17 عاما، انتقل المواطن المصري إلى العالم الرقمي وهو بصدد جمع 500 ألف دولار لتمويل أحدث مشروعاته التي يطلق عليها اسم مينتريكس وهي منصة لتوليد تحليلات مقاطع الفيديو في وسائل التواصل الاجتماعي.

ويقول طارق أثناء اتصال هاتفي بالفيديو من مكتبه في القاهرة، مستخدما سمّاعة هاتف تقليدي، "إن الهدف — ببعض الحظ والعمل الدؤوب — هو بناء شركة قيمتها 100 مليون دولار." ويستطرد قائلا "اعتقد أن ذلك ممكن."

ويعد نصر البالغ من العمر 34 عاما والذي يفضل ارتداء السراويل القصيرة والبلوزات الثقيلة عن البدلات ورابطات العنق مثالا لطموحات أصحاب المشروعات في الشرق الأوسط. وقد شارك في حركة الربيع العربي التي أزاحت حكومات عبر المنطقة في عام 2011. وهو ينتمي إلى جيل من الشباب المثقف الذي يأمل في أن توفر التكنولوجيا بديلا للوظائف في الحكومة أو قطاع الشركات — حيث تتقلص الفرص.

ويقول أيمن إسماعيل أستاذ إدارة الأعمال بالجامعة الأمريكية في القاهرة ومؤسس حاضنة الأعمال في الجامعة "إن النمو في الشركات الكبيرة ضمن القطاع الخاص محدود." ويضيف "وبالتالي ما يتبقى هي الشركات الصغيرة والمتوسطة التي يقودها أصحاب المشروعات."

نقص فرص العمل

يأمل صناع السياسات في الشرق الأوسط من جانبهم أن توفر التكنولوجيا على الأقل جزءا من الحل لواحدة من أكبر المشكلات التي تواجه المنطقة — نقص فرص العمل للشباب. فنصف سكان العالم العربي البالغ عددهم 406 ملايين نسمة دون سن 25 عاما، ويبلغ معدل البطالة بين الشباب في المنطقة 30%.

وينطبق تحدي فرص العمل على البلدان الغنية المصدرة للنفط مثلما ينطبق على البلدان الفقيرة مثل مصر والمغرب وتونس. ولا يمكن أن تعتمد مصر، التي يتسع فيها عجز المالية العامة ويتزايد فيها الدين العام، على الإنفاق الحكومي لدعم النمو الاقتصادي الذي تحتاج إليه لدفع العمالة. وبدلا من ذلك، فهي تسعى إلى تشجيع الشركات الخاصة. وتسعى المملكة العربية السعودية، التي تعمل فيها 70% من القوى العاملة في القطاع العام، إلى تنويع اقتصادها والحد من اعتمادها على الصادرات البترولية.

ويقول نواف الصحاف، المدير التنفيذي لبرنامج بادر لحاضنات التقنية في الحكومة السعودية "نريد أن نُمكّن المواهب الشابة ليصبحوا من أصحاب المشروعات. والدافع وراء ذلك هو خلق فرص العمل."

ولن يكون الأمر سهلا. فبخلاف التحديات التي تواجه أي مشروع ناشئ في مجال التكنولوجيا في أي مكان، يواجه أصحاب المشروعات في معظم بلدان الشرق الأوسط مجموعة فريدة من العقبات، تتراوح ما بين صعوبة جمع رأس المال إلى القواعد التنظيمية المرهقة والعتيقة في إدارة الأعمال. ولا تزال معظم الشركات المبتدئة في الشرق الأوسط تُسجل في مناطق اختصاص خارجية مثل ولاية ديلاوير الأمريكية لحماية المستثمرين من النظم البيروقراطية والقانونية الجامدة في المنطقة.

قانون الإفلاس

بدأ هذا الوضع يتغير ببطء. فقد استحدثت مصر، التي ترى الابتكار كركيزة من ركائز خطتها الرامية إلى دعم النمو الاقتصادي طويل الأجل، إجراء من شأنه أن يسمح لأصحاب الشركات بإعادة هيكلتها خلال مرحلة الإفلاس بدلا من دخول السجن نتيجة عدم دفع الديون.

ولكن مع اشتراك خمس وزارات على الأقل في تشجيع ريادة المشروعات، يشكو البعض مثل كون أودونيل، وهو مستثمر ملاك مقره القاهرة، من ضعف التنسيق وازدواج الجهود. والأكثر من ذلك، فإنه يرى وجود توترات بين أهداف أصحاب المشروعات والحكومة. ويقول "المسألة بالنسبة للحكومة تتمثل كلها في خلق فرص العمل وليس خلق القيمة. وإذا كنت مديرا تنفيذيا، فهذا ليس شاغلك الرئيسي."

وقد تطورت بعض المشروعات المبتدئة في مجال التكنولوجيا وأصبحت من كبار أصحاب العمل. وتوظف شركة كريم، وهي شركة نقل ركاب تأسست في دبي في عام 2012 ما مجموعه 250 ألف سائق. ولكن معظم الشركات أصغر حجما. وتعد شركة سوق.كوم (Souq.com) ومقرها دبي أيضا هي الموقع الرائد في البيع بالتجزئة عبر الإنترنت في المنطقة وتوظف حوالي 3 آلاف موظف. (توظف شركة أمازون أكثر من 350 ألف موظف).

وفي تقرير صدر عام 2017 عن ريادة المشروعات كعامل دافع لخلق فرص العمل في العالم العربي، تشير بسمة المومني، وهي زميلة غير مقيمة في معهد بروكينغز بالدوحة، إلى "أن البحوث تدعم الملاحظة العامة التي تفيد بأن ريادة المشروعات يمكن أن تكون أداة حاسمة في خلق فرص العمل." ولكنها تضيف "أن المنطقة لم تضع حتى الآن النظام الإيكولوجي اللازم لازدهار ريادة المشروعات."

والأرجح أن يكون أثر شركات التكنولوجيا المبتدئة في مجال تكوين الثروة.

وكان استحواذ شركة أمازون على شركة سوق.كوم في مارس 2017 مقابل أكثر من 650 مليون دولار علامة بارزة، وهو رقم قياسي للمنطقة. ويقول سامح طوقان أحد مؤسسي شركة سوق.كوم "هذا دليل على أنه يمكن إنشاء شركات تكنولوجية عظيمة وكبيرة في المنطقة."

وكانت شركة "سوق.كوم" من بين 60 شركة مبتدئة في المنطقة تباع خلال السنوات الخمس الماضية بقيمة كلية تجاوزت 3 مليارات دولار، وفقا لمنصة ماغنيت (MAGNiTT)، وهي منصة على الإنترنت تربط بين أصحاب المشروعات في مجال التكنولوجيا في المنطقة وبين المستثمرين. ووجدت منصة ماغنيت أن هناك أكثر من 3 آلاف شركة مبتدئة في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، جذبت استثمارات قياسية تزيد عن 870 مليون دولار في عام 2016 وحده. وبالمقارنة مع أمريكا اللاتينية التي لديها عدد سكان أكبر ولكن معدل استخدام الإنترنت أقل قليلا، جمعت الشركات المبتدئة 500 مليون دولار في شكل رأس مال مخاطر في عام 2016، استُثمر 342 مليون دولار منه في قطاع تكنولوجيا المعلومات، وفقا لجمعية أمريكا اللاتينية لحصص الملكية الخاصة ورأس المال المخاطر.

التأخر عن الركب

لا يزال الشرق الأوسط متأخرا كثيرا عن الاقتصادات المتقدمة. وتسهم التكنولوجيا الرقمية بنحو 4% من إجمالي الناتج المحلي في الشرق الأوسط (بدون شمال إفريقيا) مقارنة بنسبة 8% في الولايات المتحدة، ولا تشكل إلا 1% من إيرادات أكبر ألف شركة تكنولوجيا في العالم، مقارنة بنسبة 36% في الولايات المتحدة، وفقا لتقرير صادر عن شركة ماكينزي وشركاه في أكتوبر 2016.

والإمارات العربية المتحدة من بين قادة التكنولوجيا الرقمية في المنطقة، حيث شكلت 42% من المشروعات المبتدئة وفقا لمنصة ماغنيت. وتجذب دبي، وهي أكبر مدن الإمارات، أصحاب المشروعات من جميع أرجاء المنطقة. وعلى النحو الذي أوضحه نصر صاحب المشروعات المصري فإن "البنية التحتية عظيمة والإنترنت رائع وهناك مساحات كثيرة للعمل المشترك" أو مكاتب مشتركة توفر بيئة عمل تعاونية.

وتستفيد الإمارات العربية أيضا من استراتيجية متماسكة إزاء الابتكار. ومن الأمثلة على ذلك مسرعات دبي المستقبل، وهو برنامج مدته تسعة أسابيع يحقق الاقتران بين شركات التكنولوجيا والإدارات الحكومية حتى يمكن للمسؤولين المساعدة في إجراء التغييرات التنظيمية اللازمة لنقل التكنولوجيات الجديدة إلى السوق بسرعة. ويقول خلفان بلهول، المدير التنفيذي، "إن التحدي هنا يتمثل في أن الابتكار كثيرا ما يواجه المقاومة، ولا سيما من الهيئات الحكومية." ولكنه يقول إن حاكم دبي سمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم "يريد أن تصبح دبي المقصد الأول لأي مبتكر في العالم."

تعداد سكان مصر الآخذ في النمو بسرعة والبالغ 90 مليون نسمة هو الأكبر في العالم العربي وهو ما يجعلها سوقا واعدة ولكن محفوفة بالتحديات.

وعبر المنطقة، تطلق الحكومات صناديق التكنولوجيا. وأطلق صندوق المملكة العربية السعودية وهو أكبر صندوق بقيمة 100 مليار دولار هذا العام ولا يزال يتعين أن يُحدث أثرا على الساحة التكنولوجية الوليدة في البلد، كما تقول راشيل وليامسون محللة تكنولوجيا مستقلة في الشرق الأوسط. وتضيف "القطاع ينمو بسرعة ولكنه جديد جدا. وهناك الكثير من الكلام ولكن ليس الكثير من حيث النظام الإيكولوجي."

سوق واعدة

تعداد سكان مصر الآخذ في النمو بسرعة والبالغ 90 مليون نسمة هو الأكبر في العالم العربي وهو ما يجعلها سوقا واعدة ولكن محفوفة بالتحديات. ويتصل أقل بقليل من نصف سكان البلد بالإنترنت وفقا لتقديرات الحكومة. ويرى أصحاب المشروعات مثل أمير برسوم أن مشاكل مصر الكثيرة، من قبيل المدارس والمستشفيات المكتظة إلى البنية التحتية المتهالكة، تمثل فرصا للأعمال. وبمجرد الفكرة السليمة — تطبيق تكنولوجي يساعد الناس على الوصول إلى الخدمات المالية أو أسلوب أكثر كفاءة لطلب سيارة أجرة — فإنهم يمكن أن يستفيدوا من التكنولوجيات القائمة للتغلب على هذه المشكلات وتحقيق ربح في نفس الوقت.

وفي عام 2012، أنشأ برسوم شركة فيزيتا، وهي منصة رقمية للرعاية الصحية تعمل على أتمتة مواعيد الزيارات وتخفض أوقات الانتظار في المستشفيات والعيادات. واليوم، توظف الشركة 200 موظف وتساعد مليون مستخدم على حجز 60 ألف ميعاد زيارة شهريا. وبتمويل قدره 10.5 مليون دولار أمريكي، توسعت شركة فيزيتا من مصر إلى الأردن ولبنان وتعتزم دخول أسواق بلدان أخرى في الشرق الأوسط قريبا.

ويمثل التمويل مجالا آخر من الفرص. فقد ولدت المنطقة أكثر من 100 شركة نشطة في مجال تكنولوجيا التمويل علما بأن 14% فقط من البالغين في تلك المنطقة لديهم حسابات مصرفية. ومن بين هذه الشركات شركة فوري، وهي منصة تقدم خدمات دفع الفواتير وغيرها من الخدمات عبر الإنترنت من خلال المحافظ المتنقلة وعن طريق 65 ألف موقع.

"بدأت التكنولوجيا المالية تزدهر هنا في المنطقة،" يقول أحمد وادي وهو مواطن مصري. وأطلق مؤخرا تطبيقا تكنولوجيا باسم Moneyfellows يتيح الإقراض والاقتراض بين الأطراف لا يعرف بعضها بعضاً. ويضيف "نحن نساعد الناس على الوصول إلى الائتمان بدون فائدة بدعم من سمعتهم الاجتماعية وليس درجة جدارتهم الائتمانية."

ويستفيد نصر من سوق الإعلانات على الإنترنت المتنامية في مصر. وبعد حصوله على درجة البكالوريوس في إدارة الأعمال من جامعة نيو برونزويك في كندا، عاد إلى مصر. وباستثمارات من الأصدقاء والأسرة، أطلق وكالة ابتكار في القاهرة باسم "ذا بلانت" تركز على الإعلان عبر وسائل التواصل الاجتماعي. وبعد انطلاق الشركة، اشترك في تأسيس مسرّع باسم "جوس لاب" يوفر التمويل والرعاية والمساعدة للشركات الرقمية الأخرى المبتدئة.

ثقافة تزدهر

يرى أودونيل، المستثمر الملاك المقيم في القاهرة أن ثقافة ريادة المشروعات آخذة في الازدهار في العالم العربي. ومن بشائرها ظهور برامج الواقع التلفزيونية ذات الشعبية الكبيرة مثل برنامج "المشروع". وقد بدأ بثه في مصر في عام 2014 ويظهر فيه أصحاب المشروعات التكنولوجية الذين يعرضون أفكارا على المستثمرين. وبالنسبة للشباب، فإن ريادة المشروعات كمسار وظيفي "مجرد مسار آخر" كما يقول أودونيل. ويضيف "إنها مقبولة في المجتمع بأسره وفي الأسر."

وأودونيل من مواطني آيرلندا ووصل في التسعينات لدراسة اللغة العربية وظل مقيما في البلد للعمل في العديد من شركات الإعلام قبل إنشاء موقع سرمدي. وهو موقع شبكي للغة العربية — وهو الأول من نوعه — يقدم أدلة عن الأخبار والرياضة والترفيه والمدن. وقد باع شركته إلى شركة فودافون بمبلغ غير معلن في عام 2008 واستثمر منذ ذلك الحين في 15 شركة مصرية مبتدئة من "إنستبغ"، وهي أداة لمطوري التطبيقات التكنولوجية، إلى موقع التعيين عبر الإنترنت باسم "وظف."

ولكن بالنسبة للمستثمرين الذين يسعون إلى تحقيق أرباح سريعة في الشرق الأوسط، فإن المخضرمين من الأطراف الفاعلة مثل أودونيل ينبهون إلى أنه: في ضوء العقبات أمام ممارسة الأعمال في المنطقة فإن الأفضل من "الحصان أحادي القرن"، نسبة للشركات المبتدئة برأسمال يتجاوز مليار دولار، هو "الجمل أحادي القرن."

ويوضح أودونيل قائلا "إننا نطلق عليها اسم "الجمل أحادي القرن" لأنها كالجمل بحاجة إلى تخزين كمية كبيرة من المياه ليكون بوسعها عبور الصحراء." ويضيف قائلا إن "الأعمال هنا قد يواتيها الحظ في مرحلة الاستثمار المبكرة، ولكننا لم نشهد كثيرا منها يتجاوز تلك المرحلة، وبالتالي عليها التأهب لقطع مشوار طويل."


كامبل ماكديارميد صحفي حر مقره العراق.